فعلم بذلك أن معاني الكلام قد تتفاضل في نفسها كما قد تتماثل، وتبين بذلك أن ما تضمنه الأمر والنهي من المعاني التي تدل عليها صيغة الأمر ـ سواء سميت طلبًا أو اقتضاء أو استدعاء أو إرادة أو محبة أو رضا أو غير ذلك ـ فإنها متفاضلة بحسب تفاضل المأمور به، وما تضمنه الخبر من أنواع العلوم والاعتقادات والأحكام النفسانية، فهي متفاضلة في نفسها بحسب تفاضل المخبر عنه. فهذا نوع من تفاضل الكلام من جهة المتكلم فيه، وإن كان المتكلم به واحدًا، ـ وهو أيضًا ـ متفاضل من جهة المتكلم به، وإن كان المتكلم فيه واحدًا كما قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء ﴾ [ الشورى : ٥١ ]، ومعلوم أن تكليمه من وراء حجاب أفضل من تكليمه بالإيحاء وبإرسال رسول؛ ولهذا كان من فضائل موسى، عليه السلام، أن الله كلمه تكليما، وقال :﴿ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ على النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي ﴾ [ الأعراف : ١٤٤ ]، وقال :﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾ [ البقرة : ٢٥٣ ].


الصفحة التالية
Icon