وبعض متأخرىهم يقول : إن لفظ [ كلام الله ] يقع بالاشتراك على المعنى القائم بالنفس، وعلى الكلام العربي المخلوق الدال عليه، وأما كلام الله الذي ليس بمخلوق عندهم، فهو ذلك المعنى، وهو الذي يمتنع تفاضله عندهم. وأصل هؤلاء : أن كلام الله هو المعاني، بل هو المعنى الواحد فقط، وأن معاني كتاب الله هي شيء واحد لا يتعدد ولا يتبعض، فمعنى آية الكرسي، وآية الدين، والفاتحة، وقل هو الله أحد، وتبت، ومعنى التوراة والإنجيل، وكل حديث إلهي، وكل ما يكلم به الرب عباده يوم القيامة، وكل ما يكلم به الملائكة والأنبياء، إنما هي معنى واحد بالعين لا بالنوع، ولا يتعدد ولا يتبعض، وأن القرآن العربي ليس هو كلام الله، بل كلام غيره : جبريل أو محمد، أو مخلوق من مخلوقاته عبر به عن ذلك الواحد، وذلك الواحد هو الأمر بكل ما أمر به، والنهي عن كل ما نهي عنه، والإخبار بكل ما أخبر به، وأن الأمر والنهي والخبر ليست أنواعا للكلام وأقسامًا له، فإن الواحد بالعين لا يقبل/التنويع والتقسيم، بخلاف الواحد بالنوع فإنه يقبل التنويع والتقسيم، وإنما هي صفات لذلك الواحد بالعين، وهي صفات إضافية له، فإذا تعلق بما يطلب من أفعال العباد؛ كان أمرًا، وإذا تعلق بما ينهي عنه كان نهيًا، وإذا تعلق بما يخبر عنه كان خبرًا.


الصفحة التالية
Icon