والحقائق المخبر عنها والمأمور بها والمنهي عنها لا تكون بأنفسها مخبرًا بها ومأمورًا بها ومنهيًا عنها، بل الخبر عنها والأمر بها والنهي عنها هو غير ذواتها، فإذا لم يكن هنا أمر موجود غير ذلك المعنى الذي لا امتىاز فيه ولا تعدد، وغير المخلوقات التي لا تميز بين الأمر والنهي والخبر، لم/يكن هنا ما يميز بين النهي والخبر، ولا ما يجعل معاني آية الوضوء غير معاني آية الدين، فإن الحروف المخلوقة الدالة على ذلك المعنى إن لم تدل إلا عليه، فلا تعدد فيه ولا تنويع، وإن دلت على التعلقات التي هي عدمية، فالعدم ليس بشيء حتى يكون أمرًا ونهيًا وخبرًا، وليس عند هؤلاء إلا ذلك المعنى وتعلقه بالحقائق المخبر عنها والمأمور بها، ونفس القرآن العربي المخلوق عندهم هو الدال على ذلك المعنى، فالمدلول إن كان هو ذلك المعنى، فلا يتميز فيه أمر عن خبر، ولا أمر بصلاة عن أمر بزكاة، ولا نهي عن الكفر عن إخبار بتوحيد. وإن كانت التعلقات عدمية، فالمعدوم ليس بشيء، ولا يكون العدم أمرًا ونهيًا وخبرًا، ولا يكون مدلول التوراة والإنجيل والقرآن وسائر كتب الله أمورًا عدمية لا وجود لها، ولا تكون الأمور العدمية هي التي بها وجبت الصلاة وحرم الظلم، ولا يكون المعنى الواحد بتلك الأمور العدمية إلا صفات إضافية، وهي من معنى السلبية، فإنها إن لم تكن سلب أمر موجود، فهي تعلق ليس بموجود. فحقيقة الأمر ـ على قول هؤلاء ـ أنه ليس لله كلام لا معان ولا حروف إلا بمعنى واحد لا حقيقة له موجودة ولا معلومة.