وهذه العين إنما تؤثر بواسطة النفس الخبيثة، وهي بمنزلة الحية إنما يؤثر سمها إذا عضت؛ فإنها تتكيف بكيفية الغضب فتحدث فيها تلك الكيفية السم فتؤثر في الملسوع، وربما قويت حتى تؤثر بمجرد النظر وذلك في نوع منها حتى يؤثر بمجرد النظر فتطمس البصر وتسقط الحَبلَ، كما ذكر النبي ؟ في أبتر وذي الطُّفتين (٢٣) منها اقتلوهما، وهذا علم لا يعرفه إلا خواص الناس. وهل الانفعال والتأثير وحدوث ما يحدث في الأجسام للأرواح والأجسام آلتها بمنزلة الصانع فالصنعة في الحقيقة له والآلات وسائط. ومن له فطنة وتأمل أحوال الأرواح وتأثيراتها وتحريكها الأجسام رأي عجائب وآيات دالة على وحدانية الله وعظم ربوبيته، وأن ثم عالمًا آخر يجري عليه أحكام أخر يشهد آثارها وأسبابها غيب عن الأبصار فتبارك الله رب العالمين وأحسن الخالقين (٢٤).
والعائن والحاسد يشتركان في شيء ويفترقان في شيء، فيشتركان في أن كل منهما تتكيف نفسه وتوجه نحو من تقصده أذاه.
والعائن تتكيف نفسه عند مقابلة العين ومعاينته.
والحاسد يحصل حسده في الغيبة والحضور ويفترقان في أن العائن قد يعين من لا يحسده من حيوان أو زرع فإذا كان لا ينفك من حسد صاحب، بل ربما أصاب نفسه وسببه الإعجاب بالشيء واستعظامه (٢٥)، فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق مع تكيف نفسه بتلك الكيفية يؤثر في العين وقوله: ﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ يعم الحاسد من الجن والإنس، فإن الشيطان وحزبه يحسدون المؤمنين على ما أتاهم الله من فضله، ولكن الوسواس بشياطين الجن.
والحسد أخص (٢٦) بشياطين الإنس والوسواس يعمهما أيضًا، فكلا الشيطانين حاسد موسوس فالاستعاذة من شر الحاسد يعمهما جميعًا، فقد اشتملت السورة على الاستعاذة من كل شر في العالم، وتضمنت شرور أربعة يستعاذ منها شرًا عامًا وهو شر ما خلق، وشر غاسق إذا وقب، فهذا نوعان.


الصفحة التالية
Icon