والصواب القول الثاني وهو: أن قوله من الجنة والناس بيان للذي يوسوس، وأنهم نوعان: إنس وجن [فالجني يوسوس في صدر الإنسي والإنسي يوسوس إلى الإنسي فالموسوس نوعان: إنسي وجني] (٧٢)، فإن الوسوسة هي الإلقاء الخفي في القلب وهذا مشترك بين الجن والإنس وإن كان إلقاء الإنسي ووسوسته إنما هي بواسطة الأذن، والجني لا يحتاج إلى الواسطة؛ لأنه يدخل في ابن آدم ويجري منه مجرى الدم، على أن الجني قد يتمثل ويوسوس إليه في أذنه كالإنس كما روى البخاري عن عائشة [رضي الله عنها] عن النبي ؟ أنه قال: (إن الملائكة تحدث (٧٣) في العنان (والعنان الغمام) بالأمر يكون في الأرض فتسمع الشياطين الكلمة، فيقرها في أذن الكاهن، كما يقر القارورة، ويزيدون معها مائة كذبة من عند أنفسهم(٧٤)، فهذه (٧٥) وسوسة وإلقاء من الشيطان بواسطة الأذن، ونظير اشتراكهما في هذه الوسوسة اشتراكهما في الوحي الشيطاني قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ﴾ [الأنعام: ١١٢].
ونختم الكلام على السورتين في ذكر قاعدة نافعة فيما يعتصم به العبد من الشيطان، ويحترز به منه وذلك عشرة أسباب:
أحدها:
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: ٢٠٠].
والمراد بالسميع هنا سميع الإجابة لا السمع العام.
الحرز الثاني:
قراءة هاتين السورتين، فإن لهما تأثيرًا عجيبًا في الاستعاذة بالله من شره ودفعه، ولهذا قال النبي ؟.
(ما تعوذ المعوذون بمثلهما).
وكان يتعوذ بهما كل ليلة عند النوم، وأمر عقبة بن عامر أن يتعوذ بهما دبر كل صلاة(٧٦).
وذكر ؟: (أن من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثًا حين يمسي وثلاثًا حين يصبح كفته من كل شيء) (٧٧).
الحرز الثالث:
قراءة آية الكرسي (٧٨).