الوضوء والصلاة وهذا من أعظم ما يتحرز العبد به، ولا سيما عند الغضب والشهوة، فإنها نار تصلي في قلب ابن آدم كما روى الترمذي عن النبي ( أنه قال: (ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم فما أطفأ العبد جمرة الغضب بمثل الوضوء والصلاة فإن الصلاة إذا وقعت بخشوعها والإقبال على الله فيها اذهبت أثر ذلك جملة) (٨٥)، وهذا أمر تجربته تغني عن إقامة الدليل.
الحرز العاشر:
إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس، فإن الشيطان إنما ينال غرضه من ابن آدم في هذه الأبواب الأربعة، فإن فضول النظر يدعو إلى استحسان وقوع المنظور إليه في القلب والاشتغال به.
وفي المسند عن النبي ( أنه قال: (النظر سهم مسموم من سهام إبليس فمن غض بصره أورثه الله حلاوة يجدها في قلبه إلى يوم يلقاه)(٨٦) أو كما قال (.
وأما فضول الكلام فإنها تفتح للعبد أبوابًا من الشر كلها مداخل للشيطان فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب وكم من حرب جرتها كلمة واحدة [وقد] (٨٧) قال النبي ( :(وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم) (٨٨).
وفي الترمذي أن رجلاً من الأنصار، توفي فقال بعض الصحابة: "طوبى له". فقال النبي (: (فما يدريك لعله تكلم بما لا يعنيه أو بخل بما لا ينقصه) (٨٩).
وأكثر المعاصي إنما تولد من فضول الكلام والنظر وهما أوسع مداخل الشيطان، فإن جارحتيهما لا يملاّن ولا يسأمان بخلاف البطن، فإنه إذا امتلى لم يبقَ فيه إرادة للطعام.
وأما العين واللسان فلو تركا لم يفترا، وكان السلف يحذرون من فضول النظر (٩٠)، وكانوا يقولون ما من شيء أحوج إلى طول السجن من اللسان (٩١).
وأما فضول الكلام (٩٢) فهو داع إلى أنواع كثيرة من الشر، فإنه يحرك الجوارح إلى المعاصي ويثقله عن الطاعات وحسبك بهذا (٩٣) شرًا فكم من معصية جلبها الشبع وفضول الطعام، ولهذا جاء في بعض الآثار: "ضيقوا مجاري الشيطان بالصوم" (٩٤).