المبحث الثاني: التفسير الإجمالي
وأعني به أن يبين معنى الآية ومقصدها إجمالا، دون آن ينص على معاني ألفاظها لفظة لفظة، وهذا منهج من مناهج التفسير، وقد كان أكثر ما يهتم به السلف من الصحابة وغيرهم أن يفهموا عن الله مراده، دون الاهتمام بالتشقيقات والتعريفات لكل كلمة، وأصلها، ومعناها الخاص، ولهذا وردعن أنس رضي الله عنه قال: قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ فلما أتى على هذه الآية: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبّاً﴾ قال: قد عرفنا الفاكهة، فما الأب؟ قال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف١.
ولعله- والله أعلم- يعني بذلك أن المعنى العام وهو امتنان الله على عباده بالنعم هو المراد وقد حصل وكل واحد يعلم أن الأب نبات لقوله تعالى: ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدَائِقَ غُلْباً. وَفَاكِهَةً وَأَبّاً. مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ ٢.
ومثل هذه الطريقة ينهجها الشيخ- غالباً- عندما يرى وضوح معاني المفردات، أو عندما يركز على جانب الدعوة والإصلاح من خلال الآيات. ومن أمثلة هذه الطريقة:
قوله عند قول الله تعالى: ﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ ٣: أمر الله لنا آن نحاجهم بهذه الحجة القاطعة:- فإذا كان الله رب الجميع، وأيضاً أنه بإقراركم أنه عدل لا يظلم بل كل عامل فعمله له، وافترقنا في كوننا قاصديه٤ مخلصين له الدين، وأنتم قصدتم غيره، فكيف يساوى بيننا وبينكم أو يخص بكرامته من أعرض عنه دون من قصده؟ هذا لا يدخل عقل عاقل٤.
٢ سورة عبس الآيات "٢٧-٣٢" وانظر كلام ابن كثير رحمه الله في توجيه قول عمر "رضي لله عنه" في تفسيره "٣٤٨: ٨".
٣ سورة البقرة: آية "١٣٩". في النسخ المخطوطة والمطبوعة "قاصدينه" وهو سهو.
٤ مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص"٤٠، ٤١" وقد فسرها بأبسط من هذا ص "٢٨، ٢٩".