الآخرة "أو" الدنيا١: ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ قال ابن عباس: أشبه عليهم أمر دينهم٢، وعنه أيضاً: من قبل الحسنات٣.
وقوله: ﴿وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ﴾ الباطل أرغبهم فيه.
قال الحسن: السيئات يحثهم عليها ويزينها في أعينهم٤.
قال قتادة: أتاك الشيطان يا ابن آدم من كل وجه إلا أنه لم يأتك من فوقك، ولم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله٥.
ثم قال الشيخ وهو يوافق قول من "قال" ٦: ذكر هذه الأوجه للمبالغة في التوكيد. أي أتصرف لهم في الإضلال من جميع جهاتهم.
ولا يناقض ما ذكر السلف. فإن ذلك على جهة التمثيل، فالسبل التي للإنسان أربعة فقط، فإنه تارة يأخذ على جهة شماله، وتارة على يمينه، وتارة أمامه، وتارة يرجع خلفه. فأي سبيل من هذه سلكها وجد الشيطان عليها راصداً له، فإن سلكها في طاعة ثبطه، وإن سلكها بالمعصية حداه. وأنا أمثل لك مثالاً واحداً لما ذكر السلف: وهو أن العدو الذي من بني آدم إذا أراد أن يمكر بك لم يستطع أن يمكر بك إلا في بعض الأشياء، وهي الأشياء الغامضة، والأشياء التى ليست بعالية، فلو أراد أن يمكر بك في أمر واضح بين مثل التردي من جبل أو بئر وأنت ترى ذلك لم يستطع، خصوصاً إذا عرفت أنه قد مكر بك مرات متعددة، ولو أراد ليمكر بك لتتزوج عجوزاً شوهاء وأنت تراها لم يستطع ذلك.
وعنه أيضاً من الطريق نفسه: ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ يعنى من الدنيا: ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ من الآخرة. فكأن الشيخ قد اعتبر كلا الروايتين لورودهما بإسناد واحد متكرر.
والله أعلم.
٢ أخرجهما عنه الطبري في تفسيره "٨: ١٣٦" بالإسناد المتكرر الذي أشرت إليه في الهامش السابق.
٣ أخرجهما عنه الطبري في تفسيره "٨: ١٣٦" بالإسناد المتكرر الذي أشرت إليه في الهامش السابق.
٤ تقدم تخريجه ص "٧٣".
٥ تقدم تخريجه ص "٧٦".
٦ ليست في شيء من النسخ المطبوعة والمخطوطة "فيما اطلعت عليه" وإنما أتثبتها من روضة الأفكار والأفهام لابن غنام "١: ٢٤٦" والمطبوع المحرر "٣٩٧: ٢" وهذه المقالة ذكرها ابن الجوزي في زاد المسير "١٧٧: ٣".