وقد بين المصطفى ﷺ أنواع الجهاد بمفهومه الشامل فقال: ( ما من نبي بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحابٌ يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنه تَخْلُفُ من بعدهم خُلُوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤْمَرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن؛ وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) (٥).
والمراد بجهاد القلب في هذا الحديث هو بغضهم وبغض حالهم، وقد سمى النبي ﷺ فعلَ القلب هذا جهاداً، كما سمَّى فعل اللسان جهاداً، وكما سمى فعل اليد من باب أولى جهاداً.
وأيضا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل للنبي ﷺ فقال: أجاهد ؟ قال:(ألك أبوان ؟) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد) (٦). فسمَّى النبي صلى الله عليه و سلم بِرَّ الوالدين ورعايتَهُمَا جهاداً في هذا الموقف، فكلٌّ جهادُهُ بحَسَبِِه.
وأمثلة هذا من السنة كثيرة يسمي فيها بعض العمال الصالحة جهاداً أو يجعلها بمنزلة الجهاد؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله)(٧). وقوله صلى الله عليه وسلم: (الحج جهاد والعمرة تطوع). وقوله ﷺ في النساء: (جهادكن الحج) (٩). وقوله صلى الله عليه وسلم: (المجاهد من جاهد نفسه) (١٠).
وهذا كله يوضح مدى اتساع دائرة الجهاد، وأنها ليست محصورة في القتال، بل هي مرتبطة بمجالات الحياة كلها وبعضنا ربما نظر إلى الجهاد نظرة ضيقة فحصره في جانب القتال، وهذا قصور في فهم نصوص الكتاب والسنة.
الباب الثاني :
حُكم الجهاد و الحِكمة من مشروعيته
حُكم الجهاد في سبيل الله تعالى :