إن فكرة هذا البحث المعنون بـ " مواصفات الترجمة المعدة للاستعمال في مجال الدعوة " لا تعني أنه يجب أن يكون هناك إصدار خاص لهذه الترجمات يستعمل في مجال الدعوة وإصدارات أخرى لا تستخدم في مجال الدعوة، بل تقوم على أن أي ترجمة يقوم بها المسلمون لمعاني القرآن الكريم إنما أعدت لدعوة الناس إلى كتاب الله تعالى ودينه، وإقامة الحجة عليهم بتبليغه - سواء أكان هذا المعنى حاضراً في ذهن المترجم أم لا - وسواء أكانت هذه الترجمة موجهة للمسلمين أم لغيرهم، ولذا فإن هذا البحث يهدف إلى اقتراح بعض السبل والوسائل لجعل تلك الترجمات أكثر تأثيراً وإفادة في دعوة الناس إلى الإسلام.
ذلك أن القرآن ذاته كتاب هدى ودلالة على الحق ودعوة إليه، قال تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم... (( الإسراء : ٩ ).
وقال تعالى مخبراً عن الجن لما سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم: (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم( ( الأحقاف : ٣٠ ).
الحق الذي لا يملك له العاقل ردّاً، بل يدرك صحته بفطرته وعقله السليم، فيستجيب له وينقاد إلى تعاليمه.
المبحث الأول : الأهمية الدعوية لترجمة معاني القرآن الكريم
أولا : أهمية الدعوة بالقرآن :
الدعوة بالقرآن، وإلى ما فيه من الهداية سبيل محمد عليه الصلاة والسلام، أمره الله تعالى بذلك في محكم كتابه، فكان -عليه الصلاة والسلام- يدعو بالقرآن وينذر به، وكان هديه وقوله وبيانه للناس وحياً يوحى، فهو المبلغ عن الله تعالى، وقد زكاه ربه عز وجل بقوله: (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى( (النجم: ٣، ٤)، ولذلك كانت السنة النبوية لازمة لفهم القرآن.
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره(٢) :
" القول في تأويل قوله تعالى (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب( (إبراهيم: ٥٢).