المقصود باقرأوا - والله أعلم - تدارسوا. والاختلاف المشار إليه في الحديث هو أي اختلاف، سواء كان حول التفسير والمعاني أو كان حول أصول التجويد وعلم القراءات أو كان حول الاستنباط وكيفية تطبيق الأحكام.
ويتبين من الحديث أن الاختلاف الذي هو مدعاة للضعف والتفرق يجب اجتنابه بل وحتى التوقف عن تلاوة القرآن أو تدارسه وتعلمه عند ظهور بوادر الاختلاف لأن بركة التلاوة والتعلم تمحق نتيجة الاختلاف وتبتعد القلوب عن بعضها ويدخل الشيطان لكي يثير نوازع النفس الإنسانية من حب للظهور والعجب بالرأي والأنانية.
قال سهل التستري رضي الله عنه : في القرآن آيتان ما أشدهما على من يجادل في القرآن وهما قوله تعالى :﴿ مَا يُجَادِلُ فِي ءَايَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ (٣٢) أي يماري في آيات الله ويخاصم بهوى نفسه وطبع جبلة عقله والثانية قوله تعالى :﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ (٣٣).
وأحد الأسباب الرئيسية للاختلاف هي الجدل وقد نهى الله عنه في الآية الكريمة السابقة أي الجدل في القرآن الكريم والجدل منهي عنه سواء كان جدلا في القرآن أم بغيره إن استند إلى التعصب للرأي والدفاع عن ذلك بأساليب الحق والباطل على السواء وقد بين الرسول ﷺ جزاء من يترك المراء ( أي الجدل ) بأن يبني له بيتا في ربض الجنة إن كان مبطلا وفي أعلاها إن كان محقا (٣٤). أما الجدال دفاعا عن الحق ضد أهل الباطل فيجب أن يكون بالموعظة الحسنة. قال تعالى :﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ (٣٥) وهو غير الجدل المنهي عنه في الحديث أعلاه والذي ينبع من نوازع النفس والهوى.