قوله تعالى (بقيعة) في موضع جر صفة لسراب: ويجوز أن يكون ظرفا، والعامل فيه ما يتعلق به الكاف التى هي الخبر، والياء في قيعة بدل من واو لسكونها وانكسار ما قبلها، لأنهم قالوا في قاع أقواع، ويقرأ قيعال وهو جمع قيعة، ويجوز
أن تكون الألف زائدة كألف سعلاة فيكون مفردا، و (يحسبه) صفة لسراب أيضا، (شيئا) في موضع المصدر: أي لم يجده وجدانا، وقيل شيئا هنا بمعنى ماء علا ما ظن (ووجد الله) أي قدر الله أو إماتة الله (١).
قوله تعالى (أو كظلمات) هو معطوف على كسراب، وفى التقدير وجهان: أحدهما تقديره أو كأعمال ذى ظلمات، فيقدر ذى ليعود الضمير من قوله إذا أخرج يده إليه، وتقدر أعمال ليصح تشبيه أعمال الكفار بأعمال صاحب الظلمة، إذ لا معنى لتشبيه العمل بصاحب الظلمات.
والثانى لا حذف فيه، والمعنى أنه شبه أعمال الكفار بالظلمة في حيلولتها بين القلب وبين ما يهتدى إليه، فأما الضمير في قوله " إذا أخرج يده "، فيعود إلى مذكور حذف اعتمادا على المعنى تقديره: إذا أخرج من فيها يده (في بحر) صفة لظلمات، و (لجى) نسبة إلى اللج، وهو في معنى ذى لجة، و (يغشاه) صفة أخرى، و (من فوقه) صفة لموج.
وموج الثاني مرفوع بالظرف لأنه قد اعتمد: ويجوز أن يكون مبتدأ والظرف خبره، و (من فوقه سحاب) نعت لموج الثاني، و (ظلمات) بالرفع خبر مبتدأ محذوف: أي هذه ظلمات ويقرأ سحاب ظلمات بالإضافة والجر على جعل الموج المتراكم بمنزلة السحاب ويقرأ سحاب بالرفع والتنوين، وظلمات بالجر على أنها بدل من ظلمات الأولى.
قوله تعالى (لم يكد يراها) اختلف الناس في تأويل هذا الكلام، ومنشأ الاختلاف فيه أن موضوع كاد إذا نفيت وقوع الفعل، وأكثر المفسرين على أن المعنى أنه لا يرى يده، فعلى هذا في التقدير ثلاثة أوجه: أحدها أن التقدير: لم يرها ولم يكد، ذكره جماعة من النحويين، وهذا خطأ لأن قوله لم يرها جزم بنفى الرؤية، وقوله تعالى " لم يكد " إذا أخرجها عن مقتضى الباب كان التقدير: ولم يكد يراها كما هو مصرح به في الآية، فإن أراد هذا القائل لم يكد يراها وأنه رآها بعد جهد، تناقض لأنه نفى الرؤية ثم أثبتها، وإن كان معنى لم يكد يراها لم يرها البتة على خلاف الأكثر
في هذا الباب فينبغي أن يحمل عليه من غير أن يقدر لم يرها.
والوجه الثاني أن " كاد " زائدة وهو بعيد.
والثالث أنه كان أخرجت هاهنا على معنى قارب، والمعنى لم يقارب رؤيتها، وإذا لم يقاربها باعدها، وعليه جاء قول ذى الرمة:
(*)