وَأَيْضًا اقتنائهم الْكتب بالغش والتحايل مماطلين بِدفع أثمانها ثمَّ إِعَادَتهَا لأصاحبها بعد شهور عدَّة. فليقلعوا عَن هَذِه الْعَادَات القبيحة الَّتِي تزرى بالمدعين الانتساب إِلَى الْعلم، وَإِلَّا اضطررنا بعد هَذِه الْإِشَارَة إِلَى ذكر أسمائهم والتنبيه عَلَيْهِم حَتَّى لَا يَقع النَّاس فى شِرَاك تحايلهم وأعمالهم الْبَعِيدَة عَن كل عفة وَشرف.
نعود إِلَى تَرْجَمَة إمامنا الْعَظِيم فَنَقُول:
شَهَادَة الْأَئِمَّة للشافعى
قَالَ مَالك بن أنس- رضى الله عَنهُ- للشافعى: إِن الله عز وَجل قد ألْقى على قَلْبك نورا فَلَا تطفئه بالمعصية، وَقَالَ شَيْخه سُفْيَان بن عُيَيْنَة- وَقد قَرَأَ عَلَيْهِ حَدِيث فى الرَّقَائِق، فغشى على الشَّافِعِي فَقيل قد مَاتَ الشَّافِعِي، فَقَالَ سُفْيَان: إِن كَانَ قد مَاتَ فقد مَاتَ أفضل أهل زَمَانه.
وَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن بنت الشَّافِعِي: سَمِعت أَبى وعمى يَقُولَانِ: كَانَ ابْن عُيَيْنَة إِذا سُئِلَ عَن شىء من التَّفْسِير والفتيا، الْتفت إِلَى الشَّافِعِي وَقَالَ: سلوا هَذَا.
قَالَ الْحميدِي صَاحب سُفْيَان: كَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمُسلم بن خَالِد، وَسَعِيد بن سَالم، وَعبد الحميد بن عبد الْعَزِيز، وشيوخ مَكَّة يصفونَ الشَّافِعِي ويعرفونه من صغره مقدما عِنْدهم بالذكاء وَالْعقل والصيانة، وَيَقُولُونَ لم نَعْرِف لَهُ صبوة.
وَقَالَ يحيى بن سعيد الْقطَّان إِمَام الْمُحدثين فى زَمَانه: أَنا أدعوا الله للشافعى فى صلاتى من أَربع سِنِين. وَقَالَ الْقطَّان حِين عرض عَلَيْهِ كتاب الرسَالَة: مَا رَأَيْت أَعقل أَو أفقه مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو سعيد عبد الرَّحْمَن بن مهدى الْمُقدم فى عصره فى علمى الحَدِيث وَالْفِقْه حِين جَاءَتْهُ رِسَالَة الشَّافِعِي وَكَانَ طلب من الشَّافِعِي أَن يصنف كتاب الرسَالَة فَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء جميلا وأعجب بالرسالة إعجابا كَبِيرا وَقَالَ: مَا أصلى صَلَاة إِلَّا أَدْعُو للشافعى.
وَبعث أَبُو يُوسُف القَاضِي إِلَى الشَّافِعِي حِين خرج من عِنْد هَارُون الرشيد يقرئه السَّلَام وَيَقُول: صنف الْكتب، فانك أولى من يصنف فى هَذَا الزَّمَان.