فهذان الاسمان لم يردا في القرآن أو السنة، وليس لمن سمى الله بهما إلا اجتهاده في الاشتقاق من المعنى المفهوم من قوله: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللهُ) [الأعراف: ١٨٨]، أو ما صح في سنن الترمذي أن النبي ﷺ قال لابن عباس رضي الله عنه :(وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ)، ولم يُذكر في الآية أو الحديث النص على الاسم أو حتى الفعل، فالضار فلم يرد اسما ولا وصفا ولا فعلا، ولم أجد في القرآن أو في السنة إلا ما ورد عند البخاري من قول عائشة: (فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلاَّ نَفَعَ اللهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمُ اللهُ بِذَلِكَ). وقس على ذلك في بقية الأسماء التي ذكرناها سابقا، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الأسماء الحسنى التي ندعو الله بها وكيف يمكن التعرف عليها ؟
كيف نتعرف على أسماء الله الحسنى من الكتاب والسنة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.. قال ابن الوزير اليماني: (تمييز التسعة والتسعين يحتاج إلى نص متفق على صحته أو توفيق رباني، وقد عدم النص المتفق على صحته في تعيينها، فينبغي في تعيين ما تعين منها الرجوع إلى ما ورد في كتاب الله بنصه أو ما ورد في المتفق على صحته من الحديث) [العواصم ٧/٢٢٨]، والرجوع إلى ما أشار إليه ابن الوزير مسألة أكبر من طاقة فرد وأوسع من دائرة مجد، لأن الشرط الأول والأساسي في إحصاء الأسماء هو فحص جميع النصوص القرآنية وجميع ما ورد في السنة النبوية مما وصل إلينا في المكتبة الإسلامية، وهذا الأمر يتطلب استقصاء شاملا لكل اسم ورد في القرآن، وكذلك كل نص ثبت في السنة، ويلزم من هذا بالضرورة فرز عشرات الآلاف من الأحاديث النبوية وقراءتها كلمة كلمة للوصول إلى اسم واحد، وهذا في العادة خارج عن قدرة البشر المحدودة وأيامهم المعدودة، ولذلك لم يقم أحد من أهل العلم سلفا وخلفا بتتبع الأسماء حصرا، وإنما كان كل منهم يجمع ما استطاع باجتهاده، وكان أغلبهم يكتفي برواية الترمذي أو ما رآه صوابا عند ابن ماجة والحاكم فيقوم بشرحه وتفسيره كما فعل الزجاج والخطابي والبهقي والقشيري والغزالي والرازي والقرطبي وغيرهم من القدامى والمعاصرين، لكن الله عز وجل لما يسر الأسباب في هذا العصر أصبح من الممكن إنجاز مثل هذا البحث في وقت قصير نسبيا، وذلك من خلال استخدام الكمبيوتر والموسوعات الالكترونية التي قامت على خدمة القرآن وحوت آلاف الكتب العلمية واشتملت على المراجع الأصلية للسنة النبوية وكتب التفسير والفقه والعقائد الأدب والنحو والصرف وغيرها الكثير والكثير، ولم تكن هذه التقنية قد ظهرت منذ عشر سنوات تقريبا، أو بصورة أدق لم يكن ما صدر منها كافيا لإنجاز مثل هذا البحث، ولما عايشت الحاسوب منذ أول ظهوره وظهور الموسوعات التراثية الالكترونية حتى جمعت بين يدي تباعا أكثر من خمس وثلاثين موسوعة
الكترونية تراثية دفعني ذلك ومنذ عامين تقريبا إلى أن أقدم على هذا الموضوع مستعينا بالله أولا ثم بما سخره من هذه التقنية الحديثة وقدرة الحاسوب على قراءة آلاف المراجع الأصلية من هذه الموسوعات في ثوان معدودات؛ فالرغبة في إتمام البحث مهما كانت النتائج أمر ملح وضرورة يصعب دفعها عن النفس؛ وكثيرا ما يشعر أي متخصص أو أي داعية بالحيرة والاضطراب عندما يسأل عن تحرير المسألة في اسم من أسماء الله المشهورة كالخافض والرافع والمعطي والمانع والضار والنافع والمبديء والمعيد والمعز والمذل والواجد والماجد والكافي والمنتقم والرازق والباقي والجليل وغير ذلك مما اشتهر على ألسنة العامة والخاصة، هل هذه من أسماء الله الحسنى ! فكانت الإجابة محيرة بالفعل.
لقد كان لارتباط التقنية الحديثة بخبرة التخصص في العقيدة والتوصل إلى القواعد العلمية والشروط المنهجية لإحصاء الأسماء الإلهية التي تعرف الله بها إلى عباده أثر كبير في ظهور المفاجأة التي لم تكن متوقعة ولم تكن في حسبان أحد، وهي تصديق قول النبي ﷺ :(إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا).
ولنبد أولا بذكر الشروط التي يتمكن من خلالها أي مسلم أن يتعرف بسهولة ويسر على كل اسم من الأسماء الحسنى والدليل على تلك الشروط من كتاب الله:
• الشرط الأول هو ثبوت النص في القرآن أو صحيح السنة