وإذا كانت الأسماء الحسنى لا تخلو في أغلبها من تصور التقييد العقلي بالممكنات وارتباط آثارها بالمخلوقات كالخالق والخلاق والرازق والرزاق؛ أو لا تخلو من تخصيص ما يتعلق ببعض المخلوقات دون بعض؛ كالأسماء الدالة على صفات الرحمة والمغفرة مثل الرحيم والرءوف والغفور فإن ذلك التقييد لا يدخل تحت الشرط المذكور، وإنما المقصود هو التقييد بالإضافة الظاهرة في النص، فلا يدخل في أسماء الله الحسنى البالغ لقوله: (إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) [الطلاق: ٣]، ولا يصح إطلاقه في حق الله، بل يذكر على التقييد كما ورد النص، وليس من أسمائه المخزي أو العدو أو الخادع أو المتم أو الفالق أو المخرج لأنها أسما مقيدة لا يجوز إطلاقها بل تذكر كما وردت في قوله: (وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ) [التوبة: ٢]، وقوله: (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ)[البقرة: ٩٨]، وقوله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ َ) [النساء: ١٤٢]، وقوله: (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) [الصف: ٨]، وقوله: (إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى.. وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ..) [الأنعام: ٩٥]، وكذلك من الأسماء المقيدة الغافر والقابل والشديد وقس على ذلك الفاطر والجاعل الرافع والمطهر المهلك والحفي والمنزل والسريع والمحيي والرفيع والنور والبديع والكاشف والصاحب والخليفة والقائم والزارع والموسع والمنشيء والماهد وغير ذلك كثير، فهذه أسماء مقيدة تذكر في حق الله على الوضع الذي قيدت به ويدعى بها على ما ورد في النص من غير إطلاق اللفظ، فتقول كما قال النبي: يا مقلب القلوب، ولا نقل يا مقلب فقط.
• الشرط الرابع دلالة الاسم على الوصف
والمقصود بدلالة الاسم على الوصف أن يكون اسما على مسمى لأن القرآن بين أن أسماء الله أعلام وأوصاف، فقال في الدلالة على علميتها: (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الإسراء: ١١٠]، فكلها تدل على مسمى واحد؛ ولا فرق بين الرحمن أو الرحيم أو الملك أو القدوس أو السلام إلى آخر ما ذكر في الدلالة على ذاته، وقال في كون أسمائه دالة على الأوصاف: (وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، فدعاء الله بها مرتبط بحال العبد ومطلبه وما يناسب حاجته واضطراره من ضعف أو فقر أو ظلم أو قهر أو مرض أو جهل أو غير ذلك من أحوال العباد، فالضعيف يدعو الله باسمه القادر المقتدر القوي، والفقير يدعوه باسمه الرازق الرزاق الغني، والمقهور المظلوم يدعوه باسمه الحي القيوم إلى غير ذلك مما يناسب أحوال العباد والتي لا تخرج على اختلاف تنوعها عما أظهر لهم من أسمائه الحسنى، فلو كانت الأسماء جامدة لا تدل على وصف ولا معنى لم تكن حسنى، وعندها يلزم أنه لا معنى لها، ولا قيمة لتعدادها أو الدعوة إلى إحصائها، ويترتب على ذلك أيضا رد حديث الصحيحين: (إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا)، كما أن الله أثنى بها على نفسه فقال: (وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)، والجامد لا مدح فيه ولا دلالة له على الثناء، أما مثال ما لم يتحقق فيه الدلالة على الوصف من الأسماء الجامدة ما ورد عند البخاري مرفوعا: (قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَل: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ الليْلَ وَالنَّهَارَ) [البخاري٤٥٤٩]، فالدهر اسم لا يحمل معنى يلحقه بالأسماء الحسنى كما أنه في حقيقته اسم للوقت والزمن، فمعنى أنا الدهر أي خالق الدهر [فتح الباري١٠/٥٦٦]، ويلحق بذلك أيضا الحروف المقطعة في أوائل السور والتي اعتبرها البعض من أسماء الله فلا يصح أن تدعو الله بها فتقول في ألم: اللهم يا ألف ويا لام ويا ميم اغفري لي.
• الشرط الخامس دلالة الوصف على الكمال المطلق.
والمقصود به أن يكون الوصف الذي دل عليه الاسم في غاية الجمال والكمال فلا يكون المعنى عند تجرد اللفظ منقسما إلى كمال أو نقص أو يحتمل شيئا يحد من إطلاق الكمال والحسن، وذلك الشرط مأخوذ من قوله تعالى: (وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، وكذلك قوله: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) [الرحمن: ٧٨]، فالآية تعني أن اسم الله تنزه وتمجد وتعظم وتقدس عن كل معاني النقص لأنه سبحانه له مطلق الحسن والجلال وكل معاني الكمال والجمال، فليس من أسمائه الحسنى الماكر والخادع والفاتن والمضل والمستهزيء والكايد ونحوها لأن ذلك يكون كمالا في موضع ونقصا في آخر، فلا يوصف الله به إلا في موضع الكمال فقط كما ورد به نص القرآن والسنة.
• ارتباط البحث في الموسوعات الالكترونية بالشروط المنهجية أظهرت مفاجأة لم تكن متوقعة