ثالثًا- واضح من كلام الفرَّاء السابق، أنه لم يقل بزيادة هذه الواو، ولم يذكر نوعها، واكتفى بأن فسَّر لنا هذه الظاهرة اللغوية بقوله:”العرب تدخل الواو في جواب" فَلَمَّا " و" حَتَّى إِذَا "، وتلقيها “. ولم يقل مثل ذلك في جواب" إِذَا "؛ بل أنكر قول من قال به، وعقَّب عليه بقوله:”ونرى أنه رأيٌ ارتآه المفسِّرُ “. وكان ينبغي على الدكتور فضل حسن عباس أن يفهم كلام الفراء قبل أن يهاجمه، ويتهمه بسوء النظر والفكر، وليته أعاد النظر في قوله.
رابعًا- أما قولهم:”ولمّا قال في أهل الجنة:" حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا "
دل على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها “
فليس كذلك؛ لأن فتح أبواب الجنة يقع مع وقوع مجيئهم إليها، لا بعده، ولا قبله. وهذا ما دلت عليه الواو؛ وذلك لما فيها من معنى الجمع، الذي لا يفارقها أينما وقعت.
ولهذا المعنى، الذي أفادته هذه الواو، لا يجوز القول بأنها عاطفة، أو حالية. أما الأول فلأنها- هنا- مسلوبة الدلالة على العطف. وأما الثاني فلأن واو الحال لا يجوز أن تدخل على الفعل إلا ومعها ( قد ) ظاهرة، لا مقدرة. وجعلها حالية يقتضي تقدير جواب محذوف مع ( قد ). وهذا ما لجئوا إليه، وهو تكلف ظاهر، لا داعي له، لما فيه من إخلال بنظم الكلام، وإفساد لمعناه. وفرق كبير بين أن يقال: حتى إذا جاءوها، فتحت أبوابها مع مجيئهم إليها، وبين أن يقال: حتى إذا جاءوها، وقد فتحت أبوابها قبل مجيئهم إليها؛ لأن هذا فيه حذف للجواب، وتقدير( قد ) بين الواو، والفعل. والأول لا حذف فيه، ولا تقدير. وصون النظم الكريم من العبث بالزيادة والتقدير هو الأولى، وهو الذي ينبغي أن يكون.
أما مجيء الجواب في الآية الأولى غير مقترن بالواو فللدلالة على أن النار لا تفتح أبوابها لأهلها إلا بعد مجيء أهلها إليها. وقد يطول وقوفهم، وانتظارهم، وهذا أنكى لهم، ثم تفتح لهم الأبواب بعد طول انتظار، ويدخلون غير مأسوف عليهم، خلافًا لأهل الجنة، الذين يدخلونها دون انتظار؛ لأنهم يجدون أبوابها قد فتحت لهم مع مجيئهم إليها. وما أشبه هذا بما نشاهده اليوم من الأبواب الزجاجية لبعض المحال والبنوك والدوائر الرسمية، التي تفتح للقادمين إليها من أول وطأة قدم أمامها، ثم تعود إلى الانغلاق بعد الدخول. وذلك بخلاف أبواب السجون، وغيرها من الأبواب، التي لا تفتح للذين يساقون إليها إلا بعد طول انتظار.
وأما ما استدلوا عليه من قولهم: إن الجنة تفتح أبوابها لأهلها قبل مجيئهم إليها إكرامًا لهم بقوله تعالى:
" جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ "(ص: ٥٠)
كمنازل الأفراح والسرور، وأبواب الجنان في الدنيا، فليس كذلك؛ لأن أبواب الجنة مغلقة، لا تفتح إلا وقت مجيء أهلها من المؤمنين إليها. وتفتح بالأمر كما تغلق بالأمر. والآية السابقة دليل عليهم، لا دليل لهم. يدلك على ذلك أن قوله تعالى:" مُّفَتَّحَةً "صيغة مفعول، وكونها منونة يدل على أن زمنها المستقبل، لا الماضي، وأن التشديد فيها للمبالغة وتكررالفتح. وهذا يعني أنها تفتح كلما جاء الجنة وفد من المؤمنين، ثم تغلق، وأن الفتح يتكرر بتكرر المجيء.
وقال القرطبي:”وإنما قال:" مُفَتَّحَةً "، ولم يقل:( مفتوحة )؛ لأنها تفتح لهم بالأمر، لا بالمسِّ. أي: بالأيدي. قال الحسن: تُكَلَّمُ: انفتحي فتنفتح، انغلقي فتنغلق“ وعن الحسن- كما في الدُّرِّ المنثور للسيوطي-:”يُرَى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، ويقال لها: انفتحي، وانغلقي، تكلمي، فتفهم، وتتكلم “.
وقيل: إن الملائكة الموكلين بالجنان، إذا رأوا صاحب الجنة، فتحوا له أبوابها، وحيوه بالسلام، فيدخل محفوفًا بالملائكة على أعز حال، وأجمل هيئة.. وورد أن أول من يفتح له باب الجنة نبينا صلى الله عليه وسلم. فلو كان الفتح قبل المجيء إكرامًا، لوجدها مفتوحة.
وعن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال:” إذا دخل شهر رمضان فُتِّحَتْ أبوابُ الجنة وغُلِّقَتْ أبوابُ النار وصُفِّدَتْ الشياطينُ “.
فقوله عليه الصلاة والسلام:” فُتِّحَتْ أَبْوَاب الْجَنَّة “يدل على أن أبواب الجنة كانت مغلَقةً، ولا ينافيه- كما جاء في حاشية السِّنْدِيِّ- قوله تعالى:" جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ "؛ إذ ذلك لا يقتضي دوام كونها مفتَّحة.
خامسًا- قال أحد الإخوة الأفاضل على الرابط الآتي:
http://tafsir.org/vb/showthread.php"t=٤٧٩٠
”ولقد عجبت من ادّعاء أستاذنا الكريم إسماعيل عتوك في قوله: (( إذا ثبت حذف جواب( إذا ) و( لو ) في بعض المواضع، فإن حذف جواب ( حتى إذا ) لم يثبت أبداً في أيٍّ من تلك المواضع)) ! “.
ثم عقَّب على ذلك بقوله:” فماذا يقول – وفقّه الله – في قول الهذلي:
حتى إذا أسلكوهم في قُتائدةٍ ==== شلاًّ كما تَطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّرُدا
حيث إنه حذف هنا جواب ( حتى إذا )، ولم يأت به؛ وذلك لأن هذا البيت هو آخر القصيدة ؟ وكما هو بيّن، فإن جواب ( حتى إذا ) في هذا البيت لم يقترن بالواو !