ما السبب في تنكير الغلام وتعريف السفينة في سورة الكهف في قوله تعالى (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً ﴿٧٤﴾) و (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ﴿٧١﴾)؟
حسب التفاسير أن الخضر وموسى عليه السلام لم يجدا سفينة لما جاءا إلى الساحل ثم جاءت سفينة مارّة فنادوهما فعرفا الخضر فحملوهما بدون أجر ولهذا جاءت السفينة معرّفة لأنها لم تكن أية سفينة. أما الغلام فهما لقياه في طريقهم وليس غلاماً محدداً معرّفاً.
سؤال ٧: ما اللمسة البيانية في إختيار كلمة الأخسرين في قوله تعالى في سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴿١٠٣﴾)؟ وما الفرق بين الخاسرون والأخسرون؟
ورد في القرآن الكريم استخدام كلمتي الخاسرون كما جاء في سورة النحل (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ ﴿١٠٩﴾) والأخسرون كما جاء في سورة هود (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ ﴿٢٢﴾)، وفي سورة النمل (أوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ﴿٥﴾) وآية سورة الكهف أيضاًََ (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً). وفي اللغة الأخسر هو أكثر خسراناً من الخاسر، ندرس أولاً ما السبب في إختيار كلمة الأخسرون في سورة هود؟ إذا لاحظنا سياق الآيات في سورة هود نجد أنها تتحدث عن الذين صدوا عن سبيل الله وصدّوا غيرهم أيضاً، إنما السياق في سورة النحل فهو فيمن صدّ عن سبيل الله وحده ولم يصُدّ أحداً غيره فمن المؤكّد إذن أن الذي يصدّ نفسه وغيره عن سبيل الله أخسر من الذي صدّ نفسه عن سبيل الله لوحده فقط (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴿١٠٧﴾).
وإذا قارنّا بين آية سورة هود وآية سورة النمل (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴿٤﴾ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ﴿٥﴾) نجد أنه في سورة هود جاء التوكيد بـ (لا جرم) وهي عند النحاة تعني القسم أو بمعنى حقاً أو حقَّ وكلها تدل على التوكيد وإذا لاحظنا سياق الآيات في سورة هود الآيات (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿١٨﴾ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴿١٩﴾ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ ﴿٢٠﴾ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴿٢١﴾). أما في سورة النمل فسياق الآيات يدل على أنهم لا يؤمنون بالآخرة فقط أما في سورة هود فقد زاد على ذلك أنهم يصدون عن سبيل الله وأنهم يفترون على الله الكذب وفيها خمسة أشياء إضافية عن آية سورة النمل لذا كان ضرورياً أن يؤتى بالتوكيد في سورة هود باستخدام (لا جرم) والتوكيد بـ (إنهم) ولم يأتي التوكيد في سورة النمل.
ونعود إلى آية سورة الكهف (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴿١٠٣﴾ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴿١٠٤﴾). نلاحظ استخدام كلمة (ضلّ) مع كلمة (سعيهم) ولم يقل ضل عملهم لأن السعي هو العدو أو المشي الشديد دون العدو، وقال في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يُحسن صنعا، والإحسان هو الإتقان وليس العمل العادي، في اللغة لدينا: فعل وعمل وصنع. أما الفعل فقد تقال للجماد (نقول هذا فعل الرياح) والعمل ليس بالضرورة صنعاً فقد يعمل الإنسان بدون صنع، أما الصنع فهو أدقّ وهو من الصَّنعة كما في قوله تعالى (صُنع الله الذي أتقن كل شيء) والصنع لا تستعمل إلا للعاقل الذي يقصد العمل بإتقان.
إذن آية سورة الكهف جاء فيها ضلال وسعي وصُنع لذا استوجب أن يؤتى بكلمة الأخسرين أعمالاً ومن الملاحظ أنه في القرآن كله لم يُنسب جهة الخُسران للعمل إلا في هذه الآية. ولأن هذه الآية هي الوحيدة التي وقعت في سياق الأعمال من أولها إلى آخرها (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات).
والأخسرين: اسم تفضيل أي أنه هناك اشتراك في الخُسران، يوجد خاسرون كُثُر والأخسرين بعضهم أخسر من بعض أي التفضيل فيما بين الخاسرين أنفسهم.