وقد انعكس هذا الاضطراب في فهم الفرق بين مدلول الصفتين ( عاقر ) و( عقيم ) على ترجمة معاني القرآن الكريم لعبد الله يوسف علي [ ٩ ]، حيث تم استخدام التعبير الإنجليزي (barren)، وهو يعني: قاحل ( صفة الأرض ) [ ١٧ ـ ١٩ ]، أو غير مثمر ( صفة الثبات)، أو عاقر [ ١٧ ]، أو عقيم [ ١٧ ـ ١٩ ]، وذلك للتعبير عن (عاقر) في سورتي آل عمران (٤٠ )، ومريم ( ٥، ٨ )، وكذلك للتعبير عن ( عقيم ) في سورتي الذاريات ( ٢٩ ) والشورى ( ٥٠ )، بينما في قوله تعالى: )عذاب يوم عقيم (الحج ( ٥٥ )، وردت الترجمة كالآتي: ( the penalty of a day of disaster) وكلمة (disaster) تعني كارثة أو نكبة [١٧ ]، وعليه فالترجمة تعني عذاب يوم الكارثة أو النكبة.
وفي قوله تعالى: )الريح العقيم (الذاريات ( ٤١ ). قيل: (the devastating wind)، وكلمة (devastate) تعني يدمر أو يخرب [ ١٧ ]، وعليه فالتعبير يعني: الريح المدمرة أو المخربة.
من المعلوم طبياً وجود مصطلحان في اللغة الإنجليزية هما (Infertility) و (sterility)، يشتركان في المعنى، وهو عدم القدرة على التناسل، إلا أنه أصبح لكل منهما لاحقاً دلالة مختلفة في مجال الطب، فالمصطلح الأول يعني حالة نسبية وقابلة للعلاج، بينما المصطلح الثاني يعني مطلق عدم القدرة على التناسل، أي: أنها حالة غير عكوس [ ٢١ ـ ٢٥ ].
إن إدراك الفروق الدقيقة في دلالة الألفاظ في اللغة العربية ذو أهمية حيوية في هذا المجال، فبدونه لا يمكن اختيار اللفظ العربي الصحيح والمقابل للمصطلحات الطبية الإنجليزية، ولذلك يجد المرء اضطراباً في تعريب المصطلحين، مما يدل على عدم الوضوح في الفهم، حيث جعلت (sterility) بمعنى عقم [ ١٧ ـ ١٩ ] أو عقامة [ ١٨ ] و (sterile) بمعنى عقيم [ ١٧ ـ ١٩ ] أو عاقر [ ١٨ ]، أما (Infertility) فبمعنى عقر [ ١٩ ] أو عقم [ ١٨، ١٩ ] أو عدم الإخصاب [ ١٧ ]، (Infertile) عقيم أو عاقر [ ١٨ ـ ١٩ ] أو غير مخصب ( صفة للبيضة ) [ ١٧ ].
ويبقى ( العقم ) هو التعبير الشائع عن كل من التعبيرين في معظم الأحيان بين العامة والمتخصصين الذين قاموا بإنشاء الكثير من المراكز الطبية الحديثة في العالم العربي، والتي أطلق عليها مراكز العقم [ ٢٦ ـ ٣١ ].
يذهب الباحث إلى أن التعبيرين ( العقم ) و ( العقر ) يشتركان في الدلالة على عدم القدرة على الإنجاب، فلا تحمل المرأة ولا يولد للرجل، وأن لـ ( العقر ) مدى من الأقل إلى أشد، وأنه قابل للعلاج.
أما مطلق ( العقر )، وهو ( العقم )، فهو غير قابل للعلاج ولا يبرأ منه، فلا يولد للمصاب به أي طفل، فـ ( العقم ) هو من ( العقر ) وهو أشده ومنتهاه وأي منهما من الممكن حدوثه قبل أن يولد للمرء أي طفل، أو بعد أن يولد للمرء وهذه الدلالات ثابتة منذ أمد طويل، كما تدل عليه اللغة والآيات الكريمة، وبقبول ذلك يمكن إعادة تدبر الآيات الكريمة بالنظر في حكمة ورود أي تعبير منهما في السياق، كما أنه يمكن مراجعة التعريف الطبي للمصطلحات الإنجليزية، وهي تعاريف مستحدثة.
وعليه: يذهب الباحث إلى أن (sterility) تعني ( عقم ) و(sterile) تعني ( عقيم )، ثم إن كلمة (Infertility) تعني ( عقر ) و(Infertile) تعني ( عاقر ).
وعليه: فإنه لا يجوز للأطباء ادعاء علاج ( العقم )، بل إن كان ما يعالج هو ( العقر ).
والأدلة على صحة هذا الرأي هي:
عدم القدرة على الإنجاب إما أن تكون نسبية ( العقر ) أو مطلقة ( العقم ):
( ١ ) ( العقم ) في اللغة:
(أ ) ( العقم ) و ( العقم ) بفتح العين وضمها [ ١٢ ـ ١٤، ١٦ ]: هزمة تقع في الرحم فلا تقبل الولد [ ١٢، ١٤ ]. عقم يعقم عقماً عقيم: كان به ما يحول دون الإنجاب، والجمع عقماء وعقام، وللمؤنث [ ١٦ ] عقائم وعقم [ ١٢ ـ ١٤، ١٦ ].
وأصل ( العقم ) في اللغة: القطع [ ١٢ ]. وقاله المفسرون، أيضاً، في شرح الآية ( ٤٢ ) من سورة الشورى [ ٣، ٥، ٦ ]، ومنه يقال الملك عقيم [ ٣، ٥، ١٢ ـ ١٤ ] لأنه تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق [ ٣، ٥، ١٢ ] فلا ينفع فيه نسب لأن الأب يقتل ابنه على الملك [ ١٢ ـ ١٤ ].
ويلاحظ علاقة ذلك المدلول لـ ( عقيم ) بالتعبير ( الأبتر ) والذي ورد في قوله تعالى: )إن شانئك هو الأبتر ( ٣ ) (]الكوثر ].
وقيل: إن أصل البتر: القطع [ ٣، ٦، ٧ ]، يقال بترت الشيء بتراً قطعته [ ٣، ٦ ] قبل الإتمام [ ٣ ].
والأبتر من الدواب: الذي لا ذنب له [ ٣، ٦، ٧ ].
وكان العرب يقولون إذا مات الذكور من أولاد الرجل: قد بتر فلان [ ٣ ـ ٤ ـ ٦ ]، فالأبتر من الرجال: الذي لا ولد له [ ٣، ٦ ]، أي: لا عقب له [ ٤، ٧ ]، فإذا هلك انقطع ذكره [ ٣ ـ ٧ ].
وكذلك كل أمر انقطع من الخير أثره فهو ابتر [ ٣، ٦ ].