وقد تكون الأسباب وظيفية وطبيعية، مثل: عدم البلوغ، أو تخطي سن الإياس أو أثناء الحمل في المرأة [٢٢]. ويتم تقييم خصوبة الرجل بإجراء تحليل السائل المنوي [ ٣٤ ]، وينبغي الحذر عند تأويل أي تحليل للسائل المنوي، فلا يوجد ما يعرف بالتحليل الطبيعي ولكن هناك قواعد عملية تقريبية يمكن إتباعها، حيث من المستحيل تأويل التحليل إلا بصورة عامة، وطالما يوجد حيوان منوي، فلا يمكن القول بأن الرجل يعاني من العقم (sterility) إلا إذا مات قبل أن تكون له ذرية [ ٣٢ ].
وحتى سنوات قريبة كان يتم تشخيص العقم في الرجل في حالة وجود حيوانات منوية ميتة، أو عدم وجود حيوانات منوية على الإطلاق، في السائل المنوي [٣٤]. وفي أواخر السبعينيات من القرن العشرين ظهرت تقنية جديدة للعلاج وهي ( الإخصاب المعملي وإرجاع الأجنة ) (in vitro fertilization & embryo transfor. Ivf - et)، وهو ما يعرفه العامة باسم ( طفل الأنبوب ) [٣٥]، ولحق بذلك وسائل أخرى غير مقبولة من الناحية الشرعية، مثل: التبرع بالنطف أو الأجنة والرحم المستأجر [٣٥].
وحديثاً استحدثت تقنية حقن الحيوان المنوي في داخل البيضة تحت المجهر (intra- cytoplasmic sperm inqection، icsi) [٣٦].
واستتبع ذلك إمكانية علاج الرجال في حالة عدم وجود حيوانات منوية في السائل المنوي، وذلك باستخراج الحيوانات المنوية من الجسد، إما من ( البربخ ) عند انسداد الأوعية الناقلة (epididymal aspiration)[ ٣٧، ٣٨ ]، أو من ( الخصية ) (testicular sperm exraction) في حالات الفشل الوظيفي وضمور الخصية [٣٨]، ويتبع ذلك حقن الحيوان المنوي في داخل البيضة [٣٧، ٣٨].
ولذلك: أعلن البعض أنه قد تم فتح الباب لعلاج الذين يعانون من العقم التام [٢٩] أو الذين حكم عليهم بالعقم الأبدي [٣٠]، وفي هذا قصر نظر وسوء فهم للغة والعلم والدين، حيث أن الإطلاع على قوانين وسنة الله في الخلق يسمح للأطباء والعلماء بالأخذ بالأسباب العلمية في العلاج والتي قد تكلل ـ بإذن الله ـ بالنجاح في بعض الحالات، فبغض النظر عن كون المسببات بسيطة أو معقدة، فهذه الحالات تعاني من ( العقر ) وليس ( العقم )، وبغض النظر عن أي مستحدثات علمية في هذا المجال وكثير منها قيد البحث حالياً في المراكز العالمية المتخصصة [٣٩ ـ ٤١]، فإن الثوابت الدينية وكذلك اللغوية ـ الغربية والإنجليزية ـ تبين أن ( العقر ) (infertility) يعني عدم القدرة على الإنجاب، فلا تحمل المرأة ولا يولد للرجل، وأن لـ ( العقر ) مدى من الأقل إلى الأشد وأنه قابل للعلاج، ومطلق ( العقر ) غير قابل للعلاج ولا يبرأ منه وهو ( العقم ) (sterility)، فلا يولد للمصاب به أي طفل.
وبالتالي لا يمكن القول به إلا في حالتين:
أولاهما: وجود سبب يستحيل علاجه، مثل عدم وجود خلايا التناسل، أي: النصف، نتيجة لضمور غدة التناسل كلياً وذلك إما لمرض أو لتغير وظيفي طبيعي مع تقدم العمر مثل ضمور المبيضين ببلوغ سن الإياس (أو ما يعرف بسن اليأس ) في المرأة.
وثانيتهما: موت الإنسان دون أن يتزوج أو يكلل الله مساعيه بالنجاح بل يولد له، فـ ( العقم ) هو من ( العقر ) وهو أشده ومنتهاه.
الخاتمة:
أوضح البحث الحالي مدى الالتباس في فهم الفرق بين دلالتي التعبيرين ( عقم ) و (عقر)، وانعكاس ذلك على فهم ما ورد في الآيات الكريمة واستخدامهما في حياتنا اليومية، بالرغم من أن الفروق في دلالة التعبيرين ثابتة منذ أمد طويل كما تدل عليه محاولة إعادة النظر بعمق في اللغة والآيات الكريمة، انطلاقاً من مبدأ هام، ألا وهو رفض القول بوجود ترادف في ألفاظ القرآن الكريم.
إن محاولة استقراء المدلول الأصلي للألفاظ عند الرجوع إلى المصادر الأصلية للغة العربية ـ وفي مقدمتها القرآن الكريم ـ يسهم بحيوية في إثراء وترسيخ عملية التعريب خلال مد جسور بين تراثنا وحاضرنا، وباعتبار ما سبق، فلا ينبغي لأحد ادعاء علاج ( العقم )، كما أنه لا يليق بمن يمارس أحدث التقنيات في الطب أن يظل منفصلاً عن هذه الجذور.
ولعل دراستنا وفهمنا وممارستنا في الطب تكون أفضل من دراستنا وفهمنا للغة الأم والآيات الكريمة.
وبناء على ما خلص إليه الباحث فإنه يبدو أن العدول عن تسمية تلك المراكز من ( مراكز العقم ) إلى ( مراكز العقر ) أصح من الناحية اللغوية ولكن البعض قد يلتبس عليه ذلك التعبير مع ( العقر ) بالكلاب ونحوه، كما أنه قد لا يستسيغه لأجل ذلك أيضاً، والأمثل حينئذٍ هو العدول عنه إلى التعبير ( مراكز الخصوبة )، وهو الهدف العلاجي لهذه المراكز مع تجنب إلصاق صفة ( العقر ) بالمرضى، وهي كما تم بيانه توحي بنقص الخلقة والجرح واللم، مما قد يكون أفضل لهم خاصة إذا وضعت حالتهم النفسية عين الاعتبار.
قال تعالى: )إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون ( ٣ ) ([سورة الزخرف ). )وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون ( ٩٣ ) ([سورة النمل]. هذا، والله تعالى أعلم، وهو سبحانه من وراء القصد.
تم نشر البحث بالتعاون مع جمعية الإعجاز العلمي في القرآن في القاهرة
المراجع والحواشي:


الصفحة التالية
Icon