ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ. مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ. وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ. وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ. بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ. وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ. وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ. هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ. مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ. عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ. أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ. إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ. إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ
السؤال الثاني
قال تعالى في سورة الأنعام في الآية ٩٩: "وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"
وقال أيضا في الآية ١٤١: "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"
فلم عبر في الأولى بالاشتباه وفي الثانية بالتشابه؟
* الاشتباه هو شدة التشابه إلى حد يؤدي للالتباس، أما التشابه فلا يصل إلى حد اللبس، فالاشتباه أدق وأقوى وأكثر دلالة على القدرة
والآية الأولى فيها بيان القدرة وتعداد الأعمال في موضع تدبر ودعوة للنظر (انظروا إلى ثمره) فكان من المناسب أن يأتي بما هو أدل على القدرة
أما الثانية فهي في سياق ذكر الأطعمة وتعدادها وليس التدبر والنظر، وفي نهايتها قال: (كلوا من ثمره) وليس مقام توجيه النظر إلى دلائل القدرة مباشرة وقد نفى التشابه في الحالين (غير متشابه) ولكنه لم ينف الاشتباه، لأن نفي التشابه ينفي الاشتباه، ونفي الاشتباه لا ينفي التشابه، فلو نفى الاشتباه لبقي التشابه، ولو نفي التشابه فمن باب أولى عدم الاشتباه، لأن التشابه أقل درجة من الاشتباه فانتفاء القليل يقتضي انتفاء الشديد.
السؤال الثالث
لماذا جاء الفعل يهدي بالتشديد في قوله تعالى في سورة يونس في الآية ٣٥: " قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ"؟
الفعل يهِدّي أصله هو الفعل (يهتدي) وقد طرأ عليه الإبدال، إذ أبدلت التاء دالا، ومثلها من الأفعال التي وقع فيها الإبدال (ازّين، ادكر) فالإبدال واقع في هذه الكلمة وفق قواعد صرفية معلومة، ولكن لم جاء الفعل بالإبدال (يهِدّي) ولم يأت على صورته الأصلية؟ الفعل (يهدّي) فيه تضعيف الدال، والتضعيف في الغالب يفيد التكثير والمبالغة، ولو تأملنا في سياق هذه الآيات لوجدنا أن هذه المبالغة تناسب المقام هنا دون مكان آخر
فالحديث هنا عن الأصنام (هل من شركائكم) والأصنام ليست كالبشر، فنفى الاهتداء بصيغة تحمل معنى المبالغة لتؤكد عدم قدرة الشركاء (الأصنام) على الهداية
أما الآيات الأخرى في القرآن الكريم فقد جاء فيها الفعل (يهتدي) ولم يكن قد سبقه حديث عن مثل هؤلاء الشركاء، بل هذا هو الموقع الوحيد الذي جاءت فيه الهداية مع الأصنام فاستعملت هذه الصيغة إذ ليست الأصنام كالبشر فكيف تهدي أو تهتدي
وإن عدنا إلى الآيات التي قبلها لرأينا قوله تعالى "أمّن يملك السمع والأبصار" وإذا فقد السمع أو فقد البصر يكون الاهتداء قليلا فكيف إن فقدهما معا؟ فصارت هذه الآية وهذا الفعل مبالغة في تأكيد عدم الهداية
وهناك قراءة أخرى للآية بفعل (يهدي) وهي موافقة لرسم المصحف
وهذه أيات أخرى جاء فيها الفعل (يهتدي)
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (يونس: ١٠٨)
(مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الاسراء: ١٥)


الصفحة التالية
Icon