فلماذا قال عن الأيدي (إلى المرافق) مع إنهما مرفقان، وقال عن الرجلين (إلى الكعبين) ولم يقل الكعوب على الجمع مثل المرافق ولأن الكعبين هما العظمان الناتئان على طرفي القدم فهي أربعة كعوب؟
ج: كل يد لها مرفق واحد، وكل رجل لها كعبان
فلما خاطب الجميع قال: (إلى المرافق)
وفي الوضوء لا بد أن يستغرق الغسل الكعبين، فلو قال: إلى الكعوب، لم يدل على أن الكعبين كليهما داخلان في الغسل، وإنما كعوب الناس المخاطَبين بقوله: (يا أيها الذين آمنوا)، وعندها فلو غسلوا كعبا واحدا ـ والمخاطبون كثر ولهم كعوب ـ لكفاهم ما ادام المذكور هو (الكعوب)
لذلك قال (إلى الكعبين) حيث المعنى: كل واحد من المخاطبين عليه أن يغسل إلى الكعبين. فلا يصح أن يقول (إلىالكعوب) وإلا لأوقع في اللبس
مسائل في التقديم والتأخير
مبحث التقديم والتأخير كاملا من كتاب الدكتور، وفيه مسائل مهمة
* ما السر في تقديم ذكر (في سبيل الله) على نوع الجهاد (بالمال والنفس) وتأخيره حينا كقوله تعالى في سورة التوبة ٢٠ :" الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ" حيث قدم (في سبيل الله) على نوعية الجهاد، وقال عز وجل في الأنفال٧٢ " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" فقدم ذكر الجهاد بالأموال على قوله (في سبيل الله)؟
نلحظ في الآيات القرآنية خطا عاما يوضح لنا سبب هذا التقديم والتأخير في الآيات التي تتحدث عن الجهاد فإذا كان السياق في جمع الأموال وحبا لمال قدم ذكرَ التضحية به، وإذا كان السياق في القتال وليس في الأموال أو القعود عن الجهاد أخّر الأموال، فهذا من باب التناسب بين الكلام ومناسبة المقال للمقام فلو عدنا إلى الآيات السابقة في سورة الأنفال لوجدنا حديثا عن المال والفداء وأخذه من الأسرى والغنائم، وهذه الآية نفسها وردت تعقيبا على قوله تعالى: " وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا" وعرض الدنيا هو الفداء الذي أخذه من الأسرى وهو المال، فعاتبهم على أخذ المال ثم قال: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) والذي أخذوه هو المال الذي افتدى الأسرى به أنفسهم، ثم قال: (كلوا مما غنمتم حلالا طيبا) فالسياق أصلا في المعاتبة على أخذ المال من الأسرى لذلك قدم المال لأنه كان مطلوبا لهم فطلب أن يبدؤوا بالتضحية به، فكان التقديم للاهتمام به لأنهم يهتمون به أما لو عدنا إلى سورة التوبة لرأينا ه كله في الجهاد وليس المال "قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ" ـ التوبة: ١٤
" أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" ـ التوبة: ١٦
"أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" ـ التوبة: ١٩
فالسياق حدد التقديم وما يجب أن يتقدم، فلما كان هناك في أخذ الأموال وكان المال مطلوبا لهم قدم المال على (في سبيل الله) وهنا العكس فأخر المال
* قال تعالى في سورة الأنعام الآية ٣٢ :" وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ" فقدم اللعب على اللهو في وصف الدنيا، أما في مواضع أخرى مثل سورة العنكبوت ٦٤ فقد قال: " وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ"، فما سبب ذلك؟
كل الآيات القرآنية التي تصف الدنيا باللعب واللهو تم تقديم اللعب على اللهو إلا في سورة العنكبوت


الصفحة التالية
Icon