٣ ـ الآية الثالثة ذكرت : الشمس ـ القمر ـ النجوم ـالجبال ـ الشجر... (أنواع متعددة).
هل ينفع الندم؟
مشهد من مشاهد جهنم يصوره لنا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل، يقول أصحاب النار (يا ليتنا)، فما هي أمنيات هؤلاء الكفار؟ ولكن ماذا تفيدهم هذه الأماني؟ طبعاً لاشيء، لنستمع إلى هاتين الآيتين حيث تكررت كلمة (ليتنا) لم ترد هذه الكلمة إلا في هاتين الآيتين:
١ـ (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَانُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنعام: ٦/٢٧].
٢ـ(يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَاأَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) [الأحزاب: ٣٣/٦٦].
التدرج اللغوي والمنطقي في الآيتين
١ـ الآية الأولى بدأت بوقوفهم على النار (إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ)، ثم الآية الثانية بعد أن دخلوا في النار أصحبَ تُقَلَّب وجوههم فيها (تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ)، وهكذا التدرج من الوقوف خارج النار إلى الدخول إليها.
٢ـ في الآية الأولى بدؤوا بقولهم أول شيء (فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ)، أي إلى الدنيا، فهذا أول مطالبهم، ثم تمنوا ألاَّ يكذبوا بآيات الله (وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا) ثم تمنوا بأن يكونوا من المؤمنين(وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ): أي العودة إلى الدنيا... ثم التصديق بآيات الله... ثم الإيمان.
٣ـ ولكن في الآية الثانية عندما دخلوا إلى النار وقُلِّبت وجوهُهم فيها، لم يعد لديهم أمل بالعودة إلى الدنيا. وأدركوا مدى أهمية طاعة الله وطاعة رسوله فانتقلوا من مرحلة الإيمان إلى مرحلة الطاعة لله ورسوله، لذلك يقولون عندها: (يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) إذن نلخِّص هذا النظام البلاغي باختصار:
١ـ وقوفهم على النار.... ثم الدخول فيها لتُقَلَّب وجوههم في النار.
٢ ـ وتأمل معي التدرج الزمني للآيتين: فلآية الأولي جاء فيها قولهم بصسغة الماضي (فَقَالُواْ)، ولكي لا يظنّ أحد أن هذا القول وهذه الحسرة انتهت، أو ستنتهي، يأتي قولهم في الآية الثانية على صيغة الاستمرار (يَقُولُونَ)، ليبقى الندم مستمراً.
إن هذا النوع من الإعجاز الزمني لاستخدام كلمات القرآن، ألا يدل على أن هذا القرآن كتاب مُحكَم؟
ودائماً كلمة (ليتنا) سُبقت بكلمة (يا) ليظهر لنا الله تعالى المبالغة في التمنِّي للكفار وهم نار جهنم... ولكن هل ينفع الندم؟
لهم ما يشاءون
قلنا في الفقرات السابقة أن الله وضع نظاماً رقمياً لسور القرآن لنستيقن أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأننا نعجز عن الإتيان بمثله مهما حاولنا، عندما نستيقن ذلك نقرُّ ونعترف بأن كل كلمة في كتاب الله تعالى هي حق... وأن وعد الله حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق. والقرآن يصور لنا حياة المؤمن في الجنةبعبارة خاصة بأهل الجنة وقد تكررت ٥ مرات في الآيات:
١ـ (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ) [النحل: ١٦/٣١].
٢ـ (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَخَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً) [الفرقان: ٢٥/١٦].
٣ـ (لَهُم مَّا يَشَاءُونَعِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) [الزمر: ٣٩/٣٤].
٤ـ (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَعِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ) [الشورى: ٤٢/٢٢].
٥ـ (لَهُم مَّا يَشَاءُونَفِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) [ق: ٥٠/٣٥].
ولنرى النظام البلاغي الفائق الدقة في تكرار هذه الكلمة الخاصة بأهل الجنة:
١ـ تحدثت الآية الأولى عن جزاء المتقين: جنات... لهم فيها ما يشاءون.
٢ـ أما في الآية الثانية فقد أكّد الله تعالى على أن هؤلاء المتقين خالدون في الجنة التي لهم فيها ما يشاؤون، وأن وعد الله حق ولا يُخلف الله وعده (كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً).
٣ـ أما الآية الثالثة فقد تحدثت عن المحسنين لأن التقوى يُؤدي إلى الإحسان، (والعكس صحيح) هؤلاء المحسنون (لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ)، أكدت أيضاً أنهم سيكونون بقرب ربهم، ومن كان قريباً من الله فماذا يطلب بعد ذلك؟
٤ـ زادت الآية الرابعة تأكيد قرب هؤلاء من ربهم سبحانه وتعالى وأكدت أن هذه الصفات هي (ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ).
٥ـ وأخيراً لكي لا نظُنُّ أن هذا كل شيء، ختم الله هذه الآيات الخمسة بكلمة (مزيد)، فالعطاء مفتوح لا حدود له (وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ).
بعد كل هذا ماذا يتمنَّى المؤمن؟ فسبحان الذي رتب ونظم هذه الكلمة عبر سور القرآن بهذا الشكل المذهل!!
البحار يوم القيامة
نتائج البحث
