ج. هنالك فرق بين الكمال والتمام، إذ الكمال مرحلة تقبل الزيادة ولا تقبل النقصان، بينما التمام مرحلة تقبل النقصان ولا تقبل الزيادة وقيل قديما( ما أتم الله شيئا إلا نقص ) لا بل إن طريان النقص على التام شرط تمامه فكأنما قد تم بنقصانه ولو لا النقصان لما قيل فيه تمام.. ولنرجع للآية.. فالأصل في هذه العدة هو الثلاثون، ففي البقرة تعرّض الحق سبحانه لقضية لا تتصل بإيمان موسى فقد عرض سبحانه ضلال وكفران قومه ﴿ وإذ قال موسى لقومه يا قومي إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ﴾ أما في الأعراف فقد انتقل الحق سبحانه لقضية تمس إيمان موسى مباشرة ألا وهي مسألة رؤية الله﴿قال رب أرني أنظر إليك﴾فاقتضى السياق هنا تفصيل المرحلة الإيمانية التي سبقت هذه الإرهاصات الموسوية فجاء ذكر العشرة ليال التي أتم بها الله لموسى ميقاته لتتسع مساحة الإيمان الموسوية بما يحتمل فيض التجلي الإلهي أمام موسى ﴿ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا﴾.. انتهى.
==============
المفاجأة... من فيوضات سورة العنكبوت
بقلم الباحث الفلسطيني محمد صبحي السويركي
نتحدث في هذا البحث عن نموذج قرآني يدل على الطبيعة الخاصة للنص القرآني الكريم، وعلى ضرورة تحلي قارئ القرآن بالمعرفة الدقيقة بالكيفية التي ينساب النص الكريم من خلالها، لأجل أن يتوصل قارئ القرآن إلى الصورة الجمالية والفنية المتكاملة التي يطرحها، والتي غالبا ما تغيب عن أذهاننا في حمّى تعاملنا التجزيئي مع القرآن الكريم.
والآيات التي نحن بصددها هنا هي من سورة العنكبوت، وهي السورة التي تبهرنا، وتحيرنا، وتجبرنا على الوقوف أمامها مبهورين؛ وذلك لغرابة التوظيف القرآني لإحدى الحشرات الغامضة، ذلك التوظيف المثير الذي يحتاج إلى وقفة تفكر وتأمل. حيث يقول عز من قائل:
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {١٢﴾ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿١٣﴾ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١٤﴾......... مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }(العنكبوت).
والآن؛ دعونا نتوقف قليلاً أمام هذا السرّ الغريب، والطلسم الغامض … فحيث لا يدري الناسُ ما السرُّ في تسمية سورةٍ بأكملها من سور القرآن الكريم باسم "العنكبوت" ينبغي أن نتوقف … وأن نتفكر، وأن نتأمل!!...
والقارئ المتأمل يظل متعجبا من الهدف الذي أُورد هذا المثال من أجله؛ أو ما الذي أريد به، أو الدلالة عليه!! … ما عدا المعاني القريبة والشذرات العلمية التي تفيض من جوانب النص!!
وقبل أن نخوض في عمق التحليل للنص القرآني المشار إليه؛ فلابد أن نعرض لبعض الإشارات حول حشرة العنكبوت، وهي الإشارات التي قد تلقي قليلاً من الضوء على الهدف الذي تم من أجله إيرادها على الصورة التي وردت عليها!.
خيوط وعناكب!!!
من المعلوم أن العناكب تتبع فصيلة "العنكبوتيات"، وهي فئة من الحيوانات الناجحة والواسعة الانتشار، والتي تضم العناكب والعقارب وما شابهها. ومن أشهر "العنكبوتيات" العناكب، وكثير منها يعيش في منازلنا أو في جوارها، وأنسجتها المستديرة معروفة لنا جيدا.
ومن اللافت في موضوع العناكب أن الحشرات الأخرى لا تسلم من شرها ساعة من ليل أو نهار!، فهي دائمة الترصد لفرائسها في ورديات نهارية وليلية!، وتبدأ العناكب الليلية صيدها بعد انتهاء عمل العناكب النهارية، وقد ابتكرت العناكب طرقاً مختلفةً لاقتناص فرائسها، فبعضها ينقض على فريسته انقضاضاً مباشراً، إلا أن أشهر طرق الاقتناص لديها يتم عن طريق ما تنصبه من شباك تتخايل للفرائس وكأنها زينة تلمع أمامها، فإذا ما اقتربت منها وقعت فيها وكانت سببا في هلاكها!!..
وتقوم العنكبوت بإنتاج الخيوط الحريرية من غدد خاصة بذلك وتوزعه مغازلها الصغيرة، وتُنتجُ الأنواع المختلفة من الغدد أنواعا خاصة بها من الحرير، وتنسج العناكب شباكها بدقة من خيوط حريرية وفقا لتصاميم خاصة لها أشكال مختلفة.
وقد بحث العلماء في تراكيب المادة التي يفرزها العنكبوت فوصلوا إلى ما يدهش العقول، فقد رأوا بعض العناكب تنسج خيوطا رقيقةً جداً، وقد وجد أن كل خيط من تلك الخيوط مؤلف في حقيقته من أربعة خيوط أدق منه، وكل واحد من تلك الخيوط الأربعة مؤلف من ألف خيط!، ووجدوا كذلك أن كل واحد من الألف يخرج من قناة مخصوصة في جسم العنكبوت، وهذا الأمر يقود إلى العجب، فكيف يتسع جسم العنكبوت إلى ألف ثقب، يخرج من كلٍ منها أربع من خيوط العنكبوت؟!. وعليه فإن خيط العنكبوت يتكون في مجمله من أربعة آلاف خيط!!


الصفحة التالية
Icon