... لكن وقبل أن تطرح الكلمة الفصل فإن القرآن الكريم يجمل كل ما تقدم من نهايات أليمة في حياة الأقوام السالفين: ﴿فكلاً أخذنا بذنبِهِ، فمنهم من أرسلنا عليهِ حاصباً، ومنهم من أخَذَتْهُ الصيحةُ، ومنهم منْ خسفنا به الأرضَ، ومنهم من أغرقنا، وما كانَ اللهُ ليظلمهم ولكن كانوا أنفسَهُم يظلمون﴾(الآية: ٤٠).
وهنا تأتي مفاجأة هذه السورة!، لتوضح لنا سر ذلك الاختيار العجيب لتلك الحشرة؛ كي تكون محوراً تدور حوله أحداث السورة وتكون اسما لها: ﴿مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا﴾...
والصورة التمثيلية المرسومة ابتداء من الآية (٤١) إنما يقصد من ورائها أن تكون صورة فنية تقابل أختها التي رسمتها الآيات المحصورة بين الآيات(١٤-٤٠)، وعليه؛ فهي ليست مجرد إشارة عابرة ككل الإشارات التي سبقتها... بل قصد منها أن تكون خلاصة الخلاصات، ونهاية النهايات، وعبرة العبر!... فمن لم تحالفه قدرته وأقداره على النظر في الآيات التي تركها الله في بيوت الظالمين، لأي سبب كان، فإن حجة الله عز وجل لن تسقط عنه، ذلك أن الله عز وجل (كرما منه ورحمة) قد بثها كاملة غير منقوصة في بيت العنكبوت، فمن منّا لم يرّ بيت العنكبوت من قبل؟!
من منا من لم ير الحشرات (يقابلها أولياء الشيطان) وقد تخايلت لها زينة بيت العنكبوت من بعيد (يقابلها ما يزينه الشيطان لأوليائه)..
ومن منا من لم يلمح الحشرة وهي تقترب مبصرةً على غير بصيرة (وكانوا مستبصرين) إلى أن وقعت في حبائل العنكبوت وزينته (حبائل الشيطان بالنسبة للإنسان)؟؟ ومن منا من لم يأتِ بيت العنكبوت بعد عدة أيام ليشاهد فيه آيات العذاب التي حلت بالمخدوعين!!
إن التأمل في سورة العنكبوت يكشف عن عمق الملحمة التي ترسمها هذه السورة، والتي هي عينها ملحمةُ مستمرة تؤرخ لنضال الرسل ومآل الرسالات، وآية العنكبوت([٢]) هي تلخيص معجز وبليغ لتلك النتيجة.. والتي تفيد أمرا واحدا في غاية البلاغة والأهمية ألا وهو أن حجة الله على عباده كانت، ولا زالت، وستبقى قائمة.. ومن أراد أن يتأكد فلينظر إلى بيت العنكبوت!!
بقلم محمد صبحي السويركي
كاتب وباحث من فلسطين
([١]) هي ملامح ثانوية قياسا على بنية الرواية، وقياسا على الخط الأصلي الذي تتحدث عنه، ولا يعني ذلك ثانوية الموضوعات التي تتحدث عنها.
([٢]) أخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العنكبوت شيطان مسخها الله فمن وجدها فليقتلها". وأخرج ابن أبي حاتم عن مزيد بن ميسرة قال: العنكبوت شيطان. وروى القرطبي في تفسيره عن علي أيضاً أنه قال: طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيت يورث الفقر
===============
من أوجه البلاغة في قوله تعالى (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ)
تاريخ الفتوى :…١٠ ربيع الثاني ١٤٢٧ / ٠٩-٠٥-٢٠٠٦
السؤال
يقول الله تعالى في سورة النساء الآية ١٥٧:(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا)، لماذا لم يقل "لم يقتلوه ولم يصلبوه" بدلاً من "ما قتلوه وما صلبوه"؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد أنزل كتابه بلسان عربي مبين، وأعجز به أرباب ذلك اللسان وفصحاءه ببلاغته وروعة أسلوبه وجمال عباراته وسلاسة تراكيبه، فقد وضع كل كلمة موضعها الذي لا يوجد ما هو أصلح منها فيه ولو كان يحمل نفس المعنى، فلا غرابة في عبارة من عباراته، أو جملة من جمله.
وليس لنا أن نقول لم قال كذا ولم يقل كذا؟ معترضين أو مستحسنين خلافه؛ إلا أن يكون ذلك لفهم أسراره وسبر أغواره، وهنا نبه العلماء على بعض الفوائد في ذلك، ومنهم السيوطي في كتابه أسرار ترتيب القرآن، وأبو بكر محمد بن الطيب في كتابه إعجاز القرآن، والغزالي في كتابه جواهر القرآن وغيرهم.
وأما سؤالك عن سبب عدوله هنا عن الجملة الفعلية المضارعة المنفية بلم إلى الجملة الفعلية الماضية المنفية بما، فالجواب أننا لم نقف فيما اطلعنا عليه على من نبه إلى علة ذلك، وربما لأنه الأصل، فهو إخبار عن ماض، وما جاء على أصله لا يسأل عن سببه كما يقولون.
ولعل من ذلك جمال الجملة هنا وسلاستها في التركيب، ولما تفيده الجملة الماضية من التحقق والتقرر، فعدم قتلهم له حقيق متقرر واقع، فالتعبير بها هنا دقيق جداً وجميل جداً، وحسبنا أن الله تعالى عبر بها واختارها في هذا المكان.
والله أعلم.
==============
من بلاغة القرآن العظيم
تاريخ الفتوى :…١١ ربيع الأول ١٤٢٧ / ١٠-٠٤-٢٠٠٦
السؤال
بعض السور في القرآن الكريم بدأت (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض)، والأخرى بدأت بـ (سبح لله ما في السماوات والأرض)، ما الفرق في الحالتين؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:


الصفحة التالية
Icon