فإن الله تعالى يقول في سورة النور الآية ٤١: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ [النور: ٤١].
ويقول سبحانه في سورة التغابن الآية ١: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التغابن: ١].
ويقول عز وجل في سورة الجمعة الآية ١: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الجمعة: ١].
والفرق بين الآيات أنه في آية النور جاء التعبير بـ"من" وفي آية الجمعة وآية التغابن جاء التعبير بـ"ما" ومن في الغالب تكون للعاقل، وفي ذلك من رقيِّ الأسلوب ما يدهش العقول حيث إن باب التغليب في اللغة باب واسع فتارة يغلب العاقل على غير العاقل، وتارة يغلب المذكر على المؤنث، وتارة يغلب المتكلم على المخاطب، وفي هذا من التنويع والتشويق مع عدم التكرار ما يبين إعجاز القرآن، وحيث عبر بـ"ما" فلأنها تتناول الأجناس كلها تناولاً عاماً بأصل الوضع، والإتيان بـ"ما" هو من باب تغليب الأكثر على الأقل.
والله أعلم.
============
السر في تقديم الأموال على الأولاد في القرآن والعكس
تاريخ الفتوى :…١٠ ذو القعدة ١٤٢٣ / ١٣-٠١-٢٠٠٣
السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

ماهي الحكمة في تقديم حب المال على البنين في قوله تعالى ( المال والبنون زينة الحياة الدينا )
لأننا نرى بعض الناس وخصوصا الذين يمتلكون المال الكثير ولم يرزقهم الله بالبنين، أنهم مستعدون لدفع أي مبلغ للأطباء( وخصوصا على طفل الأنابيب) وحتى إذا خيرنا أي إنسان عادي بالمال الكثير أو عدم الإنجاب لاختار الإنجاب على المال ؟ وجزاكم الله خيراً.....
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من وجوه الإعجاز البياني في القرآن الكريم أن كل لفظة موضوعة بما يتناسب مع سياقها وموضوعها، فترى الكلمة قدمت في موضع وأخرت في موضع آخر تناسباً مع سياقها وموضوعها وغرضها، فليس التقديم والتأخير والتكرار عبثاً أو هدراً.
ومن ذلك ما ذكرته في سؤالك عن قوله تعالى في آية الكهف: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف: ٤٦].
ونظير ذلك قوله تعالى في آية التغابن: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن: ١٥].
في حين أنك تجد تقديم البنين على المال في آية آل عمران في قوله: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ [آل عمران: ١٤].
والحكمة في هذا التأخير وذاك التقديم أن السياق يقتضيه، فنجد تقديم المال على الولد حيث تكون الفتنة والإغراء والزينة والاستعانة، وذلك لأن المال قوام الحياة والزينة أشد فتنة من فتنة الولد فقُدم عليه.
وحينما يكون السياق عن الحب والمحبة يقدم الولد على المال لأنه الأحب إلى الرجل -كما ذكرت في سؤالك- ولذلك تجد تقديمه على المال في آية آل عمران حيث قال الله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران: ١٤].
والله أعلم.
============
السر في افتتاح سورة الروم بـ "ألم"
تاريخ الفتوى :…٢٥ رمضان ١٤٢٣ / ٣٠-١١-٢٠٠٢
السؤال
لماذا ابتدأت سورة الروم بـ( ألم )؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد افتتحت سورة الروم بالأحرف المقطعة "ألف، لام، ميم" كغيرها من سور القرآن الكريم، التي افتتحت بهذه الحروف، وقد افتتح الله عز وجل تسعاً وعشرين سورة من كتابه بهذه الحروف.
وهذا من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم؛ فهي إشارة للتنبيه إلى أن هذا الكتاب مؤلف من جنس هذه الأحرف، والنطق بهذه الأحرف في متناول المخاطبين به من العرب، ولكنهم لا يستطيعون أن يصوغوا من تلك الحروف مثل هذا القرآن.
وقد ألف العرب - قديماً وحديثاً - من لغتهم الخطب البليغة، ونظموا القصائد الرنانة، ودبجوا المقالات الفصيحة، ولو قارنت ذلك بكتاب الله عز وجل لرأيت العجب العجاب، والفرق الشاسع، فشتان ما بين الثرى والثريّا.
شتان ما بين كلام الله عز وجل وكلام البشر! فكلام الله يشع بالنور وينبض بالحيوية، ولو وضعت جملة منه بين أفصح كلام قالته العرب لميزها أبسط الناس، وهذا ما شهد به ألد أعداء الإسلام قديماً وحديثاً.
وصدق الله العظيم، حيث يقول: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: ٨٨].


الصفحة التالية
Icon