• والفاء في قوله سبحانه﴿ بل كذبوا بالساعة واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ﴾حروف تنقل إليك صوت النار مغتاظة غاضبة
• وحرف الصاد في قوله تعالى﴿ إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر﴾ يحمل إلى سمعك صوت الريح العاصفة كما تحمل الخاء في قوله سبحانه﴿ وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ﴾إلى أذنك صوت الفلك تشق عباب الماء.
• وألفاظ القرآن مما يجرى على اللسان في سهولة ويسر ويعذب وقعه على الأذن في اتساق وانسجام...
• قال البارزى في أول كتابه( أنوار التحصيل في أسرار التنزيل) أعلم أن المعنى الواحد قد يخبر عنه بألفاظ بعضها احسن من بعض وكذلك واحد من جزأي الجملة قد يعبر عنه بأفصح ما يلائم الجزء الآخر، ولا بد من استحضار معنى الجمل واستحضار جميع ما يلائمها من الألفاظ ثم استعمال انسبها وأفصحها واستحضار هذا متعذر على البشر في أكثر الأحوال، وذلك عتيد حاصل في علم الله.. فلذلك كان القرآن احسن الحديث وأفصحه وان كان مشتملا على الفصيح والأفصح والمليح والأملح..
• ولذلك أمثلة منها قوله تعالى﴿ وجنى الجنتين دان﴾ لوقال مكانه وثمر الجنتين قريب لم يقم مقامه من جهة الجناس بين الجني والجنيتين ومن جهة أن الثمرلا يشعر بمصيره الى حال يجنى فيها.
• ومن جهة مؤاخاة الفواصل ومنها قوله تعالى﴿ وما كنت تتلو من قبله من كتاب﴾ احسن من التعبير تقرأ وذلك لثقل الهمزة.
• ومنها ﴿لا ريب فيه ﴾أحسن من لاشك فيه لثقل الإدغام ولهذا كثر ذكر الريب..
• ومنها ﴿ولا تهنوا﴾ احسن من ولا تضعفوا لخفته﴿ وهن العظم منى﴾ احسن من( ضعف) لان الفتحة أخف من الضمة
• ومنها( آمن) أخف من صّدق ولذا كان ذكره اكثر من ذكر التصديق و(آثرك الله )أخف من فضّلك( وآتى) أخف من أعطى
• (وأنذر) أخف من خوًّف و(خيرلكم) أخف من (افضل) لكم والمصدر في نحو( هذا خلق الله ( يؤمنون بالغيب) أخف من( مخلوق) و(الغائب)
• ( ونكح) أخف من تزوج لان فَعَلَ اخف تفعّل ولهذا كان ذكر النكاح فيه اكثر
• ولأجل التخفيف والاختصار استعمل لفظ الرحمة الغضب والرضا والحب والمقت في أوصاف الله تعالى مع انه لا يوصف بها حقيقة لأنه لو عّبر عن ذلك بألفاظ الحقيقة لطال الكلام كأنه يقال يعامله معاملة المحب والماقت فالمجاز في مثل هذا افضل من الحقيقة لخفته واختصاره، وابتنائه على التشبيه البليغ فان قوله﴿ فلما آسفونا انتقمنا منهم﴾ احسن من فلما عاملونا معاملة المغضب أو( فلما أتوا إلينا بما يأتيه المغضب )
• وهناك لفظتان أبى القرآن أن ينطق بهما ولعله وجد فيها ثقلا وهما كلمتا ا الآجر والأرضين أما الأولى فقد اعرض عنها سورة القصص فبدل أن يقول﴿ وقال فرعون ياأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فهيئ لى ياهامان آجرا فاجعل لي صرحا لعلى اطلع إلى إله موسى قال {وقال فرعون ياأيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لى ياهامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلى اطلع إلى إله موسى﴾
• وأما الثانية فقد تركها في الآيه الكريمة﴿ الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شي قدير وان الله قد أحاط بكل شي علما﴾ هذا ومما ينبغي الاشاره إليه أن القرآن قد اقل من استخدام بعض الألفاظ فكان يستخدم الكلمة مرة او مرتين وليس مرجع ذلك لشي سوى المقام الذي يستدعى ورود هذه الكلمة وللقرآن استعمالات يؤثرها فمن ذلك وصفه الحلال بالطيب، وذكر السجيل مع حجارة وإضافة الأساطير إلى الأولين وجعل مسنون وصفا للحمأ ويقرن التأثيم باللغو وإلا بذّمة ومختالا بفخور ويصف الكذب بأشر...
• ووازن ابن الأثير بين كلمات استخدمها القرآن وجاءت في الشعر فمن ذلك انه جاءت لفظة واحدة في آية من القرآن وبيت من الشعر فجاءت في القرآن جزلة متينة وفي الشعر ركيكة ضعيفة،
• أما الآية فهي قوله تعالى﴿ فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث أن ذلكم كان يؤذى النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق ﴾
• وأما بيت الشعر فهو قول أبى الطيب المتنبي :
• تلذ له المروءة، وهي تؤذى ومن يعشق يلذ له الغرام
• وهذا البيت من أبيات المعاني الشريفة الا أن لفظة تؤذى قد جاءت فيه وفي آيه القرآن فحطت من قدر البيت لضعف تركيبها وحسن موقعها في تركيب الآية،....
• وهذه اللفظة التي هي إذا جاءت في الكلام فينبغي أن تكون مندرجة مع ما يأتى بعدها متعلقة به كقوله تعالى ﴿أن ذلكم كان يؤذى النبي﴾ وقد جاءت في قول المتنبي منقطعة الا ترى انه قال تلذ له المروءة وهي تؤذى، ثم قال ومن يعشق يلذ له الغرام فجاء بكلام مستأنف وقد جاءت هذه اللفظة بعينها في الحديث النبوي واضيف إليها كاف الخطاب فأزال ما بها من الضعف والركة قال(( باسم الله ارقيك من كل داء يؤذيك))
• وكذلك ورد في القرآن الكريم ﴿إن هذا آخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة ﴾ فلفظة( لي) أيضا مثل لفظة يؤذى وقد جاءت في الايه مندرجة متعلقة بما بعدها، وإذا جاءت منقطعة لا تجئ لائقة كقول ابى الطيب أيضا: