وذكر العلامة ابن المبارك نقلا عن العارف بالله شيخه عبد العزيز الدباغ، إذ يقول في كتابه(( الإبريز)) ما نصه: ( رسم القرآن سرٌّ من أسرار الله المشاهدة وكمال الرفعة وهو صادرٌ من النبي ﷺ وهو الذي أمر الكُّتاب من الصحابة أن يكتبوه على هذه الهيئة فما نقصوا ولا زادوا على ما سمعوه من النبي ﷺ وما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة وإنما هو توقيف من النبي صلوات الله وسلامه عليه وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على هذه الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها لأسرار لا تهتدي إليها العقول، وهو سر من الأسرار خصَّ الله تعالى به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية، وكما أن نظم القرآن معجز فرسمه معجز، وكل ذلك لأسرار إلهية وأغراض نبوية، وإنما خفيت على الناس، لأنها أسرار باطنية لا تدرك إلا بالفتح الرباني فهي بمنزلة الألفاظ والحروف المقطعة التي في أوائل السور فإن لها أسراراً عظيمة ومعاني كثيرة، وأكثر الناس لا يهتدون إلى أسرارها، ولا يدركون شيئاً من المعاني الإلهية التي أُشيرَ إليها، فكذلك أمرُ الرسم الذي في القرءان حرفاً بحرف.
وقال الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله): تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف، أو غير ذلك.
وإنه لممّا يطمئن له القلب ويرتاح له الفكر أن الرسول ﷺ أملى كتابة الرسم القرآني على كتّاب الوحي حسب الرسم المنزل عليه والذي نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام، ومما يؤيد ذلك أن أول كلمة قرآنية نزلت على الرسول ﷺ كانت (اقرأ) وهي تعني اقرأ القرآن من الكتاب، حتى إنَّ الرسول الأكرم ردّ على جبريل عليه السلام قائلا: ما أنا بقارئ.
ولو كان قرءانا فقط لكانت أول كلمة هي: قل.
وقد ورد في السيرة النبوية لابن هشام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال: اقرأ. قلت: ما أقرأ..... الخ. وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴿٢﴾".[سورة البقرة].
إنها إشارة على الكتاب الذي جاء به جبريل حين قال له: اقرأ. كذلك فإن ما يؤيّد ذلك أيضاً قول الله تعالى: "رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة، فيها كتب قيمة﴿٢﴾"[البينة]. وقوله تعالى: "بل هو قرآن مجيد﴿٢١﴾ في لوح محفوظ﴿٢٢﴾"[سورةالبروج].
وفي هذه الدراسة نتعرض لبعض هذه الكلمات القرآنية التي جاء رسمها مخالفاً للقواعد الإملائية ونحاول أن نتلمس الحكمة في ذلك لأننا نعتقد كما قال الإمام الرازي إن كل حرف وكل كلمة وكل حركة في القرآن الكريم لها فائدة، ونحاول في هذه الدراسة أن نلتمس الحكمة وبالطبع لن نصل إليها كاملة فهناك متسع لمزيد من الاجتهادات والتدبر في معاني هذه الكلمات القرآنية وأسرارها.
ونضرب هنا أمثلة لبعض الكلمات القرآنية التي جاءت على رسم مختلف.
- لماذا جاءت (بسم) بدون ألف حينما نسبت إلى لفظ الجلالة(الله) وجاءت برسمها المعتاد(باسم) حين نسبت إلى ربك.
- لماذا جاءت (رءى) في القرآن الكريم كلّه ما عدا موضعين اثنين فقط جاءت برسم (رأى).
- لماذا جاءت (تشاء) برسمها المعتاد في جميع القرآن الكريم ما عدا مرة واحدة فقط جاءت برسم مختلف( نشؤا).
- لماذا جاءت كلمة (تسطع) مرة واحدة ناقصة حرف تاء بهذا الرسم وكلمات أخرى كثيرة جاءت بشكل مختلف نتعرض لها في هذا القسم ذلك بعد دراسة الآيات الكريمة التي أحاطت بهذه الكلمات وتدبر المعاني التي احتوتها والغاية من ذلك. ومن خلال الدراسة لهذه الكلمات فقد تبين على وجه العموم الآتي:
- إن وجود كلمة قرآنية برسم مختلف في آية يلفت النظر إلى أن هناك أمراً عظيماً يجب تدبره.
- في حالة زيادة أحرف الكلمة عن الكلمة المعتادة فإن هذا يعني زيادة في المبنى يتبعه زيادة في المعنى.
- كذلك فإن زيادة المبنى يمكن أن يؤدي إلى معنى التراخي أو التمهل أو التأمل والتفكر أو انفصال أجزاءه.
- في حالة نقص حروف الكلمة فإن هذا يعني إما سرعة الحدث أو انكماش المعنى وضغطه أو تلاحم أجزائه.﴿٥﴾.
هذا هو كتاب الله سبحانه وتعالى أنزله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وأنزله الروح الأمين على قلب سيدنا محمد ﷺ منجماً، وتكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه من التحريف بالزيادة أو النقصان.
قال الله سبحانه: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿٩﴾".[سورة الحجر].
الإعجاز في حذف بعض الأحرف من بعض الكلمات
أ- حذف الألف
بسم - باسم
وردت كلمة (بسم) ثلاث مرات في القرآن (بخلاف فواصل السور):
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: ١].
﴿ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ [هود: ٤١].
﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [النمل: ٣٠].
كما وردت كلمة (باسم) أربع مرات في القرآن:
قال الله تعالى: ﴿ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [الواقعة: ٧٣-٧٤].