٣. الهداية التوفيقية: وهي عندما يوفق الله تعالى أهل الطاعة للطاعة والتي نحصل عليها بتوفيق من الله تعالى (وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب) وهذه هي الهداية التي قال فيها تعالى مخاطباً رسوله الكريم محمد عليه الصلاة والسلام (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)، فالهداية هنا هداية توفيقية من الله تعالى للعباد فيوفقهم لطاعته (تهدي هنا بمهنى توفّق). يقول تعالى (يثبّت الله الذين آمنوا) ولا يثبّت العصاة وهذا من توفيقه لعباده المؤمنين أن يثبتهم بعد تحقق الإيمان. ولو أن الانسان يعبد الله تعالى ويستعين به يكون من المهتدين (إياك نعبد وإياك نستعين، إهدانا الصراط المستقيم) طلب الهداية في هذه الآية إنما هو طلب الهداية التوفيقية أي طلب التثبيت على الطاعة. (ولكن الله يهدي من يشاء) أي يوفّق ويثبّت على طريق طاعته من يشاء من العباد أن يسلك طريق الطاعة.
٤. هداية الله تعالى لأهل الجنّة أو الهداية الأخروية: عندما يضلّ الناس يوم الحشر وتُحشر الخلائق وتدنو الشمس من الرؤوس وتتساقط لحوم الوجوه من الوجل إذا بنور يسطع للمؤمنين فقط يدلهم على طريق الجنة وسط الظلمات (نورهم يسعى بين أيديهم) (يهديهم ويصلح بالهم ويُدخلهم الجنة عرّفها لهم) (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) فالهداية الأخروية هي هداية الله تعالى يوم القيامة للمؤمنين للدخول الى الجنة برحمة الله سبحانه وتعالى.
==============
وقفات في سورة آل عمران
أربعة مدلولات لفظية تنزّه الله تعالى وتثبت صفاته وتنفي ألوهية عيسى u كما يدّعيها البعض:
قال تعالى في سورة آل عمران (وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩)) هذه الآية حملت تنزيهاً كاملاً لله تعالى وإثباتاً لصفاته ونفياً أن تكون هذه الأفاعال لعيسى r بأربعة مدلولات لفظية هي:
اولاً: قوله (ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم) كونه u رسول يقتضي مرسِلاً فعيسى u هو مرسَل وليس مرسِل فإذا كان مرسَلاً فلا بد أن يكون هناك من أرسله وهو الله تعالى. إذن كل الأفعال التي تؤيد صدق الرسالة لا بد أن تكون ممن أرسله لا من الرسول نفسه والمعجزات التي صاحبت عيسى u هي من قِبل الله تعالى وليس من نفسه.
ثانياً: قوله تعالى (أني قد جئتكم بآية من ربكم) الآية هي المعجزة والعلامة والبرهان فالذي جاء به عيسى u هو آية من الله تعالى لذا قال (من ربكم) واختيار لفظ من ربكم ليستثير الإيمان فيهم ونوازع اليقين ونلاحظ الفرق بين استعمال كلمة ربكم في هذه القصة واستعمال كلمة (الله) في قصة موسى مع بني اسرائيل (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) وهذا لأن بني اسرائيل يميلون الى التكذيب والاعتراض لذا جاءت الآيات كلها تشير إلى أن الأمر من الله تعالى (إن الله يأمركم، إنه يقول).
ثالثاً: قوله (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ) قوله (بإذن الله) نقلت الفعل من دائرة الامكان بالنسبة لعيسى إلى دائرة القدرة والاستطاعة لله تعالى.
رابعاً قوله تعالى (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) تكرير قوله (بإذن الله) تنسب الفعل إلى الله تعالى وهذا يدل على أن المعجزات كانت من قبل الله تعالى وليس من قِبل عيسى u.
الفرق بين المعجزة والكرامة والخارقة:
المعجزة: هي أمر خارق للعادة يجريه الله تعالى على أيدي الأنبياء إذا أرسلهم لأحد من خلقه وشرحها علماء التوحيد بأنها أمر خارق للعادة يقترن بدعوى النبو ة. وللمعجزة شروط هي : أنها قد تتكرر وتكون مصاحبة لدعوة النبوة ومن شروطها الأن يبيّن النبي من فعل هذه المعجزة وينسبها لله تعالى وكل الأنبياء في القصص القرآني نسبوا المعجزات إلى الله تعالة (ناقة الله وسقياها) (رحمة من ربي) (وما فعلته عن أمري) (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) وفي قصة الاسراء والمعراج قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً)والشرط الأخير أن تكون المعجزة من جنس ما برع به القوم في زمن النبي الذي تجري المعجزة على يديه (بنو اسرائيل اشتهروا بالسحر في زمن موسى u، وفي زمن عيسى u اشتهروا بالطب وفي زمن محمد r اشتهر العرب باللغة وبرعوا فيها فكانت معجزات الأنبياء من جنس ما برع به القوم.


الصفحة التالية
Icon