تأمل نظم الآية تجد كل كلمة قارة في مكانها، مطمئنة في موضعها لا تشكو قلقاً و لا اضطراب، معبرة في دقة و صدق عن معناها، و تأمل تناسق الكلمات و تألقها، و ترتيب الجمل و تعانقها، و مخارج الحروف و أصواتها، و إيحاءات الألفاظ و اشاراتها تجد نظماً عجيباً لا يقدر عليه إلا خالق الأرض و السماوات.
تأمل كلمة " رماد " إنها توحي بخفة الوزن، و تأمل، " اشتدت " فإنها توحي بسرعة الرياح و تأمل كلمة " عاصف " فإنها توحي بالعنف.
و تأمل كيف أبرز لك هذا التشبيه ببديع نظمه الصورة حية متحركة كأنك تراها و تلمسها.
قال تعالى :" و مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مراضاة الله، وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل، فأتت أكلها ضعفين، فإن لم يصبها وابل فطل " سورة البقرة ٢٦٥.
شبه القرآن الصدقات التي تنفق ابتغاء مرضات الله في كثرة ثوابها و مضاعفة أجرها بجنة فوق ربوة أصابها مطر غزير فأخصبت تربتها، و تضاعف أكلها.
تأمل نظم الآية العجيب كلمات إلهية لا يصلح في مكانها غيرها تعبر عن معانيها في دقة و إحكام، وتنبعث منها لطائف و أنوار، و ينطوي تحتها الكثير من العجائب و الأسرار، و جمل ربانية متناسقة متلاحقة قد فصلت على معانيها بمقدار، و حروف ذات أصوات و أنغام تبعث في الصورة الحركة و تبث فيها الحياة.
تأمل نظم الآية العجيب كلمات إلهية لا يصلح في مكانها غيرها تعبر عن معانيها في دقة و إحكام، و تنبعث منها لطائف و أنوار، و ينطوي تحتها الكثير من العجائب و الأسرار، و جمل ربانية متناسقة متلاحقة قد فصلت على معانيها بمقدار، و حروف و أنغام تبعث في الصورة الحركة و تبث فيها الحياة.
إنما من يقرأ الآية الكريمة، يتذوق خلاوتها يخيل إليه أنه يرى هذه الصورة الغيبية الخفية أمام عينيه و أنه يلمسها و يتقراها بيديه.
أبعد هذا التصوير يأتي مكابر مجهول يصف التشبيه القرآني بأنه عن الإعجاز معزول ؟
قال تعالى :" مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء، كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، و إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون " سورة العنكبوت.
شبه القرآن الكريم حال هؤلاء الذين اتخذوا من دون الله أندادا في لجوئهم و احتمائهم بهؤلاء الأنداد الضعفاء المتناهين في الضعف بحال العنكبوت حينما تأوي إلى بيتها الضعيف الواهن و تحتمي به.
صورة عجيبة تلح على الحس و الوجدان، و تجتذب إليها الألتفات، وتسترعي الانتباه، و تسترق الأسماع و تبهر الألباب و تستولي على الأحاسيس و المشاعر، و يقف أمامها دهاقين الكلام حيارى يتساءلون كيف نظمت هذه الصورة ؟ و كيف تكونت ؟ ثم لا يجدون من يجيبهم على تساؤلاتهم، لأن البشر مهما أوتوا من البراعة و البيان لا يمكنهم الوصول إلى معرفة سر نظم القرآن.
إنها تصور لك هؤلاء العباد الغافلين بصورة العناكب الضئيلة الواهنة، و تصور لك هؤلاء الضعفاء العاجزين بصورة بيت العنكبوت الذي يضرب به المثل في الضعف و الوهن.
و أظنك أيها القارئ الكريم لست في حاجة إلى أن أحدثك عن نظم هذه الصورة البلاغية فذلك متروك لذوقك و إحساسك، و لكنني أدعوك إلى النظر و التأمل في الكلمات التي اختيرت للمشبه به و نظمت منها صورته ": كمثل العنكبوت اتخذت بيتا.." هل في مقدورك أو في مقدور أي بليغ مهما كان حظه من الفصاحة البيانية، و مهما كان يحفظ من مفردات اللغة العربية أن يأتي بألفاظ تسد مسد هذه الألفاظ التي نظمت منها صورة المشبه به ؟ إن أحداً من البشر لن يستطيع، واللغة العربية على اتساع مفرداتها ليس فيها ما يسد مسد هذه الألفاظ.
إنها الصياغة الإليهة يقف البشر أمامها عاجزين حيارى مذهولين.
قال تعالى :" و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها، و لكنه أخلد إلى الأرض، و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث " سورة العنكبوت.
تأمل الصورة التشبيهية التي اشتملت عليها الآية الكريمة.
لقد شبه القرآن الكريم في هذه الآية حال الكذب بآيات الله في إصرار على ضلاله في جميع أحواله كالكلب في إدامه اللهثان.
إنها صورة فنية رائعة أحكم القرآن الكريم صياغتها، و أجادت الريشة الإلهية رسمنها، تكشف في جلاء ووضوح عن حقيقة هذا الكذب الضال، إنه حقير قذر، لا يؤثر فيه النصح و الإرشاد و لا ينفع معه الوعظ و التذكير، قد ركب رأسه، ولج في ضلاله، واتخذ الشيطان إلها من دون الله ثم تأمل الكلمات التي نظمت منها صورة المشبه به لا تجد في مفردات اللغة ـ على كثرتها، من بقوم مقامها و يسد مسدها، ثم تأمل كلمة " الكلب " وحدها لا تجد كلمة في اللغة تصور هذا المعنى و تبرزه في صورة حية متحركة سواها، إذ كل مخلوق إنما يلهث من مرض أو عطش أو إعياء إلا الكلب فإنه يلهث في جميع أحواله في حال الدلال و في حالة الراحة، و في حالة الصحة و المرض وفي حالة الري و العطش.
قال تعالى :" و حور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون "