نجد أنه حينما يذكر القرآن (ما تعبدون) و(ما عبدتم) فإنه لا يوجد مدّ على كلمة (ما) للدلالة على تحقير ما يعبدون غير أنه حين يذكر (ما أعبد) وقد جاءت مرتين نجد أنه يوجد مدّ على كلمة (ما) لتدل على عظمة ورفعة ما يعبده الرسول ﷺ...
حينما نرجع إلى أحكام التلاوة في المد نجد أن المد قد جاء لأن الحرف الذي تلا المد هو (الهمزة)..
وهذا الحكم يوضح إعجاز القرآن في اختيار الحروف التي تبدأ بها الكلمات القرآنية لتبين المعنى على أكمل وجه.. كذلك فإننا حينما نتكلم عن المد الجائز المنفصل (مد الصلة الطويلة) وهو المد المتولد من هاء الضمير المكسورة أو المضمومة الواقعة بين متحركين ثانيهما همز نذكر المثالين الآتيين:
- ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ﴾ [البقرة: ١٣١].
وجاء مد الصلاة الطويلة ليدل على عظمة الرب سبحانه.
- ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ [الأنعام: ٩١].
جاء مد الصلة الطويلة ليدل على عظمة قدر الله سبحانه.
وبالنسبة للمد اللازم المثقل (لوجود التشديد بعد حرف المد) نذكر المثال الآتي:
- ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: ٧].
نجد أن كلمة (الضالين) ممدودة مداً لازماً مثقلاً مقداره ست حركات.. على عكس كلمة (المغضوب عليهم) بدون مد..
ويدل مدّ كلمة (الضالين) على كثيرة هؤلاء الضالين ووفرتهم وهم (النصارى) وذلك بالمقارنة (بالمغضوب عليهم) وهم اليهود حيث جاءت بدون مد لتدل قلة عددهم..
الاستثناء في مد صلة (الهاء) لضمير المفرد الغائب
ورد في مصحف المدينة النبوية في اصطلاحات الضبط ما يلي: (والقاعدة أن حفصاً عن عاصم يصل كل هاء ضمير للمفرد الغائب بواو لفظية إذا كانت مضمومة.. وياء لفظية إذا كانت مكسورة بشرط أن يتحرك ما قبل هذه الهاء وما بعدها). وقد استثنى من ذلك ما يأتي:
(١) الهاء من لفظ (يرضه) في سورة الزمر فإن حفصاً ضمها بدون صلة.
(٢) الهاء من لفظ (أرجه) في سورتي الأعراف والشعراء فإنه سكّنها.
(٣) الهاء من لفظ (فألقه) في سورة النمل فإنه سكنها أيضاً.
وحينما نتدبر سبب هذا الاستثناء يتجلى ذلك حين نرجع إلى الآيات الكريمة التي وردت فيها هذه الألفاظ حسب الآتي:
- كلمة (يرضه) وردت في الآية ٧ من سورة الزمر: ﴿ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: ٧] ولم ترد هنا الصلة حتى توحي بفورية رضا الله عن شكر عباده.
- كلمة (أرجه) وردت في الآية ١١ من سورة الأعراف والآية رقم ٣٦ من سورة الشعراء عن موسى وهارون عليهما السلام ﴿ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ﴾ ولم ترد هنا الصلة حتى توحي بتقليل شأنهما عليهما السلام في نظر ملأ فرعون حيث كانوا يعتبرونهما ساحرين.
- كلمة (فألقه) وردت في الآية ٢٨ من سورة النمل ﴿ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ﴾ [النمل: ٢٨] ولم ترد هنا الصلة لتوحي بتقليل شأن قوم سبأ في نظر سليمان عليه السلام وكذلك بطلب سرعة إلقاء الكتاب.
ومن خلال ما سبق تتبين لنا الحكمة في الاستثناء في مد صلة (الهاء) لضمير المفرد الغائب في بعض الآيات القرآنية لتوضح المعنى المراد أجمل وأدق توضيح وبيان.. وأن ترتيل القرآن كما أنزل له فائدة كبرى في توضيح المعاني وإبرازها بجلاء.
٢- أمثلة في بيان المعنى من خلال صفات الحروف:
من المعروف في أحكام التلاوة أن لكل حرف مخرجاً يخرج منه وكيفية تميزه في المخرج وهذه الكيفية في صفة الحرف...
وسنعرض في هذا الموضوع لأمثلة من إعجاز القرآن في مسألة التلاوة والتي تساعد في توضيح المعاني المقصودة...
حروف الاستعلاء:
حرف (س) ليس من حروف الاستعلاء..
وحرف (ص) من حروف الاستعلاء في الارتفاع..
وحينما نتلو الآيتين الكريمتين التاليتين:
- ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ﴾ [صـ : ٩].
- ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: ٢٢].
إن كلمة (مصيطر) وكذلك كلمة (المصيطرون) في الأصل تكتب بحروف (س) أي (مسيطر)، (المسيطرون) ولكن حيث أن حرف (س) ليس من حروف الاستعلاء.. فإنه لن يؤدي المعنى المراد وهو التحكم والسيطرة والقوة والاستعلاء.. لذا جاءت تلاوة القرآن لهذه الكلمة باستخدام حرف (ص) وهو حرف من حروف الاستعلاء.. وذلك ليؤكد المعنى وتكون التلاوة موضحة أعظم توضيح للمعنى المراد...
- حروف القلقة وحرف الامتداد:
القلقة تعني التحريك أي: إبراز صوت زائد للحرف بعد ضغطه.. ما يجعل اللسان يتقلقل بها عند النطق.. وحروف القلقة خمسة هي (ق، ط، ب، ج، د).
أما حرف الامتداد فهو حرف واحد هو (ض) ويعني الامتداد هو امتداد الصوت من أول اللسان إلى آخره.. ويعني الامتداد أيضاً (القبض) على الحرف حتى لا يتحرك أو يتقلقل.. في حالة السكون.


الصفحة التالية
Icon