وهناك أمثلة كثيرة تدلُّ على حسن تأليفه وروعة تراكيبه، ففي العصر الذهبي للُّغة العربية حيث بلغت الذروة في الصفاء والقوة، وحيث كانت تُخلع ألقاب التشريف والتكريم علانية على الشعراء والخطباء في المسابقات السنوية، ما إنْ ظهر محكم التنزيل حتى اكتسح الحماس للشعر والنثر، وأُنزلت المعلقات السبع من باب الكعبة، واتجهت كل الأسماع إلى هذا الإعجاز الجديد في اللُّغة العربية.
فلغة القرآن مادة صوتية، تبعد عن طراوة لغة أهل الحضر، وخشونة لغة أهل البادية، وتجمع ـ في تناسق حكيم ـ بين رقة الأولى وجزالة الثانية، وتحقق السحر المنشود، بفضل هذا التوفيق الموسيقي البديع بينهما([٦١]).
إنها ترتيب في مقاطع الكلمات في نظام أكثر تماسكاً من النثر، وأقل نظماً من الشعر، يتنوع في خلال الآية الواحدة ليجذب نشاط سامعه، ويتجانس في آخر الآيات سجعاً، لكي لا يختل الجرس العام للوقفات في كل سورة([٦٢]).
أما كلماته فمنتقاة من بين الكلمات المشهورة، دون أنْ تهبط إلى الدارج، ومختارة من بين الكلمات السامية، التي لا توصف بالغريب إلاَّ نادراً.
وتمتاز بالإيجاز العجيب في الكلام، إذ تُعَبِّر بأقل عدد من الكلمات عن أفكار كبيرة يصعب التعبير عنها في العادة إلاَّ بجمل مطوَّلة نسبياً.
([١]) سورة الشعراء، الآيتان (١٥٤ـ١٥٥).
([٢]) سورة الأعراف، الآيات (١٠٤-١٠٨).
([٣]) سورة آل عمران، الآية (٤٩).
([٤]) سورة الأنبياء، الآية (٥).
([٥]) سورة العنكبوت، الآيتان (٥٠-٥١).
([٦]) سيد قطب: في ظلال القرآن، ١/٤٨. وانظر: مجلة المنهل، عدد خاص، القرآن الكريم الهدى والإعجاز، عدد ٤٩١، عام ١٤١٢هـ ـ ١٩٩١م، بحث الإعجاز البياني في القرآن الكريم، ص ١٢٣.
([٧]) شرح الجلال على العقائد العضدية، ٢/٢٧٦.
([٨]) بحوث في الثقافة الإسلامية، تأليف عدد من أساتذة جامعة قطر، ص ٢٧٥.
([٩]) انظر: المصباح المنير، ص ١٤٩.
([١٠]) هو: علي بن محمد بن علي، المعروف بالشريف الجرجاني، فيلسوف من كبار العلماء بالعربية، ولد في تاكوا قرب استرياد، ودرس في شيراز وأقام بها إلى أنْ توفي، له نحو خمسين مصنفاً. انظر ترجمته في: الفوائد البهية، ١٢٥، ومفتاح السعادة، ١/١٦٧، وبروكلمن في دائرة المعارف الإسلامية، ٦/٣٣٣، والضوء اللامع، ٥/٣٢٨، ومعجم المطبوعات، ٦٧٨، وآداب اللًّغة، ٣/٢٣٥، والأعلام للزركلي، ٥/١٥٩-١٩٠.
([١١]) د. صلاح عبد الفتاح الخالدي: البيان في إعجاز القرآن، ص ٢٣-٣١.
([١٢]) الرافعي: إعجاز القرآن، ص ١٣٩.
([١٣]) كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم: البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن.
([١٤]) سورة الأنفال، الآية (٣١).
([١٥]) سورة الطور، الآية (٣٤).
([١٦]) سورة الفرقان، الآية (٤).
([١٧]) سورة هود، الآية (١٣).
([١٨]) سورة يونس، الآية (٣٨).
([١٩]) سورة البقرة، الآية (٢٣).
([٢٠]) انظر: د. إسماعيل أحمد الطحان: دراسات حول القرآن الكريم، ص ٩٢.
([٢١]) قال سيد قطب ـ رحمه الله تعالى ـ: "وإذا تجاوزنا عن النفر القليل الذين كانت شخصية محمد ﷺ وحدها هي داعيتهم إلى الإيمان في أول الأمر، كزوجه خديجة، وصديقه أبي بكر، وابن عمه علي، ومولاه زيد، وأمثالهم، فإنَّا نجد القرآن كان العامل الحاسم، أو أحد العوامل الحاسمة في إيمان من آمنوا أوائل الدعوة، يوم لم يكن لمحمد ﷺ حَول ولا طَول، ويوم لم يكن للإسلام قوة ولا منعة، وقصة إيمان عمر بن الخطاب، وتولي الوليد بن المغيرة نموذجان من قصص كثيرة للإيمان والتولي، وكلتاهما تكشف عن هذا السحر القرآني الذي أخذ العرب منذ اللحظة الأولى، وتبينان في اتجاهين مختلفين عن مدى هذا السحر القرآني الذي يستوي في الإقرار به المؤمنون والكافرون". انظر: التصوير الفني في القرآن، ص ١١.
([٢٢]) السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ٢/٣٢٦. وانظر: تفسير الطبري، ٢٩/٩٨، وتفسير ابن كثير، ٨/٢٦٧.
([٢٣]) سورة المدثر، الآيات (١١-٢٦).
([٢٤]) سورة الفرقان، الآية (٥).
([٢٥]) سورة النحل، الآية (١٠٣).
([٢٦]) سورة الأنبياء، الآية (٥).
([٢٧]) سورة الفرقان، الآية (٣٢).
([٢٨]) سورة يونس، الآية (١٥).
([٢٩]) سورة الفرقان، الآية (٣٣).
([٣٠]) سورة الأنفال، الآية (٣١).
([٣١]) انظر: ص (١٨) من البحث، والآيات التي ورد التحدي بها هي الآية رقم (١٣) من سورة هود، والآية (٣٨) من سورة يونس، والآية (٢٣) من سورة البقرة.
([٣٢]) انظر: تفسير التحرير والتنوير، لابن عاشور، ١/١٠٣.
([٣٣]) هو: عياض بن موسى بن عياض بن عمرو اليحصبي السبتي أبو الفضل، عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته، كان من أعلم الناس بكلام العرب وأنسابهم وأيامهم، له عدة تصانيف منها: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى ﷺ ". انظر ترجمته في: أزهار الرياض = = في أخبار القاضي عياض، وفيات الأعيان، ١/٣٩٢، وقضاة الأندلس، ١٠١، وقلائد
العقبات، ٢٢٢، والفهرس التمهيدي، ٣٦٨، وبغية المتلمس، ٤٢٥.
([٣٤]) ابن حزم: الفِصَل في المِلَل والأهواء والنِّحَل، ٣/٧، و٢/١٨٤.