غير أن الرد يأتيه من صاحبه المؤمن في الآية ٣٧ من نفس السورة: ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾ حيث جاءت كلمة (صاحبه) بألف صريحة فارقة لتوضح لقارئ القرآن أن هذه الصحبة في الرفقة فقط وأما في الإيمان فهناك افتراق ومسافة بينهما.. وقد جاء هذا المعنى أيضاً واضحاً في حق الرسول ﷺ حينما نُسب إلى قومه فجاءت كلمة (صاحبكم) بالألف الصريحة مفرقة بينه وبين قومه في الإيمان بالرغم من مصاحبته لهم في المكان والزمان.. وذلك في الآيات الكريمة الآتية:
﴿ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾ [سبأ: ٤٦].
﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾ [النجم: ٢].
﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾ [التكوير: ٢٢].
﴿ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾ [الأعراف: ١٨٤].
غير أنه حين يتكلم القرآن الكريم عن سيدنا أبي بكر صاحب رسول الله تأتي (صحبه) بألف متروكة لتبين مدى الالتصاق بينهما وتوضح الصحبة الحقيقية في الرفقة والإيمان:
﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: ٤٠]، وهذا يبين جزءاً من الحكمة في كتابة الكلمة القرآنية باستخدام الألف الصريحة والمد بالألف المتروكة كما سبق أن أوضحنا...
حذف حرف الواو
من بعض الأفعال
ورد في كتاب (مناهل العرفان) للزرقاني: أنه تم كتابة هذه الأفعال الأربعة بحذف الواو وهي:
(ويدعو الإنسان - ويمحو الله الباطل - يوم يدعو الداع - سندع الزبانية) ولكن من غير نقط ولا شكل في الجميع.
قالوا: والسر في حذفها من (ويدع الإنسان) هو الدلالة على أن هذا الدعاء سهل على الإنسان يسارع فيه كما يسارع إلى الخير....
والسر في حذفها من (ويمح الله الباطل) الإشارة إلى سرعة ذهابه واضمحلاله...
والسر في حذفها من (يوم يدع الإنسان) الإشارة إلى سرعة الدعاء وسرعة إجابة الداعين...
والسر في حذفها من (سندع الزبانية) الإشارة إلى سرعة الفعل وإجابة الزبانية وقوة البطش.. ويجمع هذه الأسرار قول المراكشي: (والسر في حذفها سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل، وشدة قبول المنفعل المتأثر به في الوجود).
وسئل - فسئل
ورد في القرآن الكريم كله فعل الأمر من (سأل) ناقصاً حرف (ا) في البداية... ونذكر فيما يلي نماذجاً من الآيات الكريمة التي ورد فيها هذا الفعل:
قال تعالى: ﴿ فَسْئلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [يونس: ٩٤].
- وقال تعالى: ﴿ وَسْئلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا ﴾ [يوسف: ٨٢].
- وقال تعالى: ﴿ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: ٣٢].
- وقال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾ [النحل: ٤٣].
ويدل حذف حرف (ا) من مبنى الكلمة الأصلية وهو (اسئل) أو (اسأل) على أن الكلمة القرآنية في رسمها تعبر عن المعنى أصدق تعبير إذ أن السؤال دائماً يأتي في عجلة وسرعة فقلما ينتظر الإنسان فهو دائماً يريد سرعة الإجابة.. لذلك جاءت كلمة (سئل) في فعل الأمر ناقصة حرفاً لتحض على سرعة السؤال انتظاراً لسرعة الإجابة.
وكما ذكرنا فإن نقص مبنى الكلمة يدل على العجلة والسرعة وعدم الصبر....
أيد - أييد
وردت كلمة (أيد) وهي جمع (يد) مرتين في القرآن الكريم كله بهذا الرسم العادي وذلك في الآيتين التاليتين:
قال تعالى: ﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: ١٩٥].
وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: ١٧].
غير أنها وردت مرة واحدة برسم مختلف يزيد حرف (ي) في منتصفها وذلك في الآية الكريمة الآتية:
قال تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [الذاريات: ٤٧].
وكما سبق أن ذكرنا فإن زيادة المبنى يدل على زيادة المعنى فهل هناك أشد من خلق السماء... ؟
﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ﴾ [النازعات: ٢٧]، إن زيادة حرف (ي) في كلمة (أيد) يوضح قوة وشدة السماء ومتانة سمكها وبنائها...
إن شاء الله تعالى سوف نعرض المزيد من الدراسات في مقالات أخرى
المراجع:
القرآن الكريم
١ - الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي ج٢ في تفسير الآية ١٨٥ من سورة البقرة.
٢ - الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي في تفسير الآيات الثلاث الأولى من سورة الزخرف.
٣ - كتاب مناهل العرفان للزرقاني.
٤- ((كتاب تأملات في إعجاز الرسم القرآني وإعجاز التلاوة والبيان )) للمهندس: محمد شملول.
================
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ
قال الله جل وعلا:" فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ "(الحاقة: ٣٨- ٤٣)


الصفحة التالية
Icon