وتعني الآية أيضاً فتوحات الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين كلما صبروا على البلاء واستقاموا على الطريقة، فإنه هو السميع البصير يقربهم إليه نجيّاً ويريهم من آياته إنه هو السميع البصير.
٢- غلام حليم و غلام عليم
بشرت الملائكة إبراهيم عليه السلام بغلام حليم هو إسماعيل عليه السلام ثم بشرته بغلام عليم هو إسحاق ومن ورائه يعقوب (إسرائيل).
يقول الله سبحانه وتعالى في شأن البشرى بولادة إسماعيل عليه السلام: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: ١٠١].
أي: أن صفة إسماعيل عليه السلام المميزة أنه (حليم) وهي صفة والده إبراهيم عليه السلام حيث يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾ [هود: ٧٥].
ويقول الله سبحانه وتعالى في شأن البشرى بولادة إسحاق عليه السلام: ﴿ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴾ [الذاريات: ٢٨].
أي: أن صفة إسحاق عليه السلام المميزة هو أنه (عليم).
إسماعيل عليه السلام هو جد محمد صلى الله عليه وسلم.
وإسحاق عليه السلام هو جد بني إسرائيل.
حلم إسماعيل: والحلم الذي هو الصفة المميزة لإسماعيل عليه السلام يعني: الصبر والإرادة والسكون والعقل السليم، وهو ضد الطيش ولو جمعنا كل مناحي الحلم فإنه يكون (التقوى) بكل معناها من حب الله وخشيته والصفح الجميل.
يصف الله إسماعيل عليه السلام في سورة مريم آية: ٥٤، ٥٥:
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥٤) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾.
إسماعيل عليه السلام كان صادق الوعد، حينما أسلم وجهه له ساعة الذبح راضياً بقضاء الله﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: ١٠٢].
إن ذلك كان منتهى الإيمان بالله من الأب المحسن إبراهيم عليه السلام ومن الابن الصابر إسماعيل عليه السلام.
علم إسحاق ومن ورائه يعقوب (إسرائيل)
وصف الله سبحانه وتعالى إسحاق بالعلم والذي ورثه بنو إسرائيل (بنو يعقوب بن إسحاق)، وكان من المفترض أن يستخدم بنو إسرائيل هذا العلم الوراثي في حسن عبادتهم لله والتفكر في آياته.. غير أن أكثرهم استغل هذا العلم في ماديات صرفة ولم يتوجهوا إلى الله سبحانه وتعالى، بل أغرقوا أنفسهم في الماديات وظلموا أنفسهم وقد قال الله في شأن إبراهيم عليه السلام، وشأن ذريته: سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ } [الصافات: ١٠٩-١١٣].
كذلك قال الله سبحانه وتعالى في شأن ذرية إبراهيم عليه السلام:
﴿ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: ١٢٤].
إن الله سبحانه وتعالى بين لإبراهيم عليه السلام أن ذريته لن تكون كلها من الصالحين وأن ذلك يعتم على استجابتهم لما يحييهم بما أنزله على رسله إليهم من البينات والزبر والكتاب المبين، امتحن الله بني إسرائيل (فضلهم على العالمين) واختارهم على علم على العالمين، فكيف كانت استجابتهم لله ؟... ظلم بنو إسرائيل أنفسهم على مدى التاريخ.
وكانوا يقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويعصون الله فيما أمرهم وينقضون ميثاقهم مع الله... إنهم يحاربون كل من يقول لهم توجهوا بقلوبكم إلى الله واتركوا الحب الشديد لماديات وآمنوا بالله الذي ليس كمثله شيء...