ومما نقله عن الرازي قوله في الفرق بين تعدية الفعل( تاب ) بـ( على ) وبـ( إلى )؛ كما في قوله تعالى:
" فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ " (البقرة: ٣٧)
" سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ "(الأعراف: ١٤٣)
ومما نقله عن أبي حيان قوله في الفرق بين تعدية الفعل( أنزل ) بـ( على ) وبـ( إلى )؛ كما في قوله تعالى:" أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ "(العنكبوت: ٥١)
" إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ "(النساء: ١٠٥)
ومما نقله عن الألوسي قوله في الفرق بين تعدية الفعل( سارع ) بـ( في )
وبـ( إلى )؛ كما في قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ " (المائدة: ٤١)
" وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ " (آل عمران: ١٣٣)
وفي الفصل الثانيمن الكتاب تحدث الدكتور الأنصاري عن ( أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم )، وذكر من الأفعال:( دخل ) و( خرج ) و( جاء ) و( أتى ) و( وذهب ). وفي الحقيقة أن هذا الفصل ما هو إلا تكرار للفصل الأول من حيث المضمون، ولا يكاد يختلف عنه إلا في التسمية. وفي تخلف ما جاء به من أقوال عن الأقوال، التي نقلها عن العلماء في الفصل الأول.
ثانيًا- وتعليقًا على بعض ما جاء في هذا الكتاب أقول، وبالله المستعان:
١- ما ذكره فضيلته في التمهيد عن مفهوم التعدية، واللزوم عند النحاةهو المشهور في كتب النحو، وهو الذي يردده علماء النحو وطلابه إلى اليوم. وممَّا ينبغي معرفته، والتنبيه إليه هنا، هو أن مصطلح:( الفعل اللازم )يطلق على نوعين من الأفعال، خلافًا للقول السابق:
النوع الأول: أن يكون من الأفعال، التي لا تطلب مفعولاً به ألبتة. وذكر ابن هشام له علامات:
العلامة الأولى: أن يدل على حدوث ذات؛ كقولك: حدث أمر، وعرض سفر.. قال ابن هشام:"فإن قلت: فإنك تقول: حدث لي أمر، وعرض لي سفر. فعندي أن هذا الظرف- يعني: الجارُّ والمجرور- صفة المرفوع المتأخر تقدم عليه، فصار حالاً، فتعلقه أولاً وآخرًا بمحذوف، وهو الكون المطلق. أو متعلق بالفعل المذكور على أنه مفعول لأجله، والكلام في المفعول به ".
والعلامة الثانية: أن يدل على حدوث صفة حسية؛ نحو قولك: طال الليل، وقصر النهار، وخلق الثوب، ونظف، وطهر، ونجس.
والعلامة الثالثة: أن يكون على وزن: فعُل، بضم العين؛ كظُرف المرء، وشرُف، وكرُم، ولؤُم.
والعلامة الرابعة: أن يكون على وزن: انْفَعَلَ؛ نحو قولك: انكسر الزجاج، وانصرف القوم.
والعلامة الخامسة: أن يدل على عَرَضٍ؛ كمرض زيد، وفرح، وأشر، وبطر.
والعلامة السادسة والسابعة: أن يكون على وزن: فعَل، بفتح العين. أو: فعِل. بكسر العين، اللذين وصفُهما على: فعيل؛ كذلَّ فلان فهو ذليل، وسمن فهو سمين.
قال ابن هشام:"ويدل على أن ذلَّ فعَل، بالفتح، قولهم: يذِلُّ، بالكسر. وقلت في نحو: ذلَّ، احترازًا من نحو: بخل؛ فإنه يتعدى بالجار، تقول: بخل بكذا.
وقال أيضًا:"فإن قلت: وكذلك تقول: ذل بالضرب، وسمن بكذا. قلت: المجروران مفعول لأجله، لا مفعول به ".
النوع الثاني: أن يكون من الأفعال، التي استغني عن مفعولها، لقصد العموم. وهذا النوع من الأفعال هو الذي يعبر عنه علماء النحو بـ( أنه نُزِّل منزلة الفعل اللازم )كالفعل:( أبصر، يبصر ) في قوله تعالى:" ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ "(البقرة: ١٧).
والفعل:( شاء ) في نحو قوله تعالى:" وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ "(البقرة: ٢٠(
فقوله تعالى:" لَا يُبْصِرُونَ "هو فعل متعد في الأصل؛ ولكن حذف مفعوله لقصد عموم نفي المبصرات، فتنزل الفعل منزلة اللازم، ولا يقدَّر له مفعول؛ كأنه قيل: لا إحساس بصر لهم.
وإلى هذا أشار الزمخشري بقوله:"والمفعول الساقط من" لاَّ يُبْصِرُونَ "من قبيل المتروك المُطرَح، الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال، لا من قبيل المقدر المنوي، كأنَّ الفعل غير متعدٍّ أصلاً؛ نحو:" يَعْمَهُونَ "في قوله تعالى:" وَيَذَرُهُمْ فِيْ طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ "(الأنعام: ١١٠) ".
وكذلك فعل المشيئة في نحو قوله تعالى:" لو شَاءَ اللهُ، لذَهَبَ بسَمْعِهِمْ "(البقرة: ٢٠)
فهذا فعل مُنزَّل منزلة اللازم، ولا يجوز أن يُصَرَّح بمفعوله، إلا في الشيء المستغرب؛ كما في قول الخُرَيْمي:
فلو شئت أن أبكي دمًا لبكيته **غليك ولكن ساحة الصبر أوسع
فهنا لا يجوز حذف المفعول؛ لأنه لو حذف، وقيل:
فلو شئت أن أبكي لبكيت دمًا
فإنه يحتمل تعليق المشيئة ببكاء الدمع، على مجرى العادة، وأن ما ذكره من بكاء الدم واقع بدله من غير قصد إليه؛ وكأنه قال:
لو شئت أن أبكي دمعًا، لبكيت دمًا
فهذا المعنى محتمل، وإن كان تقييد البكاء في الجواب بالدم، يدل دلالة ظاهرة على أنه المراد، فإذا ذكر المفعول، زال هذا الاحتمال، وصار الكلام نصًّا في المعنى الأول.