٤ - بين الأمر والنهي :
إن أسلوب النهي هو الوجه الآخر لأسلوب الأمر - غالباً - ؛ فالنهي عن شيء أمرٌ بضده، أو العكس في الغالب ؛ فقوله :" ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله.. " نهيٌ أريد به الأمر ؛ أي : فليكتب كما علمه الله.
والنهي في قوله :" ولا يبخس منه شيئاً " : أمرٌ بالوفاء، كانه قيل له : لتكتبه كاملاً.
والنهي في قوله :" ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا.. " أمرٌ بتلبية الدعوة ؛ كأنه قيل : وليلبِّ الشهداء الدعوة.
والنهي في قوله :" ولا يضارّ كاتب ولا شهيد.. " : أمرٌ بضده، والمعنى : أحسنوا إلى الكاتب والشهيد... وهكذا.
ومن هنا تتبين علاقة الأساليب بأسلوب الأمر، وأنها تتصل به من خلال السياق اتصالاً وثيقاً؛ لتكوّن في الختام منظومةً واحدة دافعة إلى اتجاه واحد وهو حفظ الحقوق، وإغلاق أبواب الشقاق قبل أن تفتح....
الفصل السادس
ما ورد من أحاديث في شأن الديون
هذه مجموعة من الأحاديث النبوية، وكلام السلف الصالح في شأن الديون، تضع أمام القارئ صورة جلية لموقف الإسلام من الديون، وتبرز له مقدار الحرج الذي يلحق صاحبه، وهي بهذا تصب في ذات الهدف الذي جاءت الآية لترسخه في قلوب المؤمنين، فهي أحاديث تحذر تارة ' وتضيق تارة أخرى، وتتوعد تارة ثالثة، وما كل ذلك إلا محاذير وعوائق أمام هذا الضرب من المعاملات الذي - وإن كان مباحاً لكنه ينبغي أن يكون في أضيق الحدود وسوف أعرض هنا جزءا من هذه الأحاديث لتأكيد ما دلت عليه الآية الكريمة.
" عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ـ قال : كنا جلوساً عند النبي صلي الله عليه وسلم ؛ إذ أتي بجنازة، فقالوا : صلِّ عليها، فقال : هل عليه دين ؟ قالوا : لا، قال : فهل ترك شيئاً ؟ قالوا : لا، فصلَّي عليه.
ثم أتي بجنازة أخري فقالوا : يا رسول الله صل ِّ عليها، قال: هل عليه دين ؟ قيل : نعم، قال : فهل ترك شيئاً ؟ قالوا : ثلاث دنانير، فصلي عليه.