فإن المتابع للاقتصاد العالمي - فضلا عن الاقتصاد الإسلامي - لايخفى عليه ملاحظة هذه الظاهرة - ظاهرة التعامل بالدين -التي سادت الأسواق، واتسع نطاقها حتى عمّت جل المعاملات، بين الشركات، والمؤسسات، والبنوك، والأفراد حتى بين الدول بعضها وبعض.
والمعلوم سلفًا أن الديون و المعاملات التي تدور في فلكها كثيرة، منها :( بيع السلم، والبيع بالأجل، والبيع بالتقسيط، والقرض الصريح ) وما شابه ذلك....
ولقد دخلت الديون بيوتا كثيرة في عصرنا الحاضر في ظل ظروف اقتصادية صعبة زاد فيها الكساد، وقل فيها الإنتاج، وكثر فيها الاستيراد، وزاد من تفاقم الأمر رغبة الكثير من الناس في التمتع بكماليات الحياة الحديثة التي باتت تعلن عن نفسها في كل مكان، وتزينت في إعلاناتها بكثير من سبل الإغراء، من شاكلة :
تمتع بكل ما تريد ولا تدفع الآن.
بدون مقدم.
بدون فوائد.
على خمسين قسطا.
أول قسط بعد ثلاثة أشهر......
إلى آخر تلك المغريات الكثيرة، والنفس راغبة إذا رغبتها، فيجد الإنسان نفسه قد امتلك السلعة في وقته الحاضر دون أن يدفع شيئا، ولم ينظر في عاقبة أمره، وغالباً ما تكون عاقبة أمره خسراً..!!
وهكذا صار المجتمع إلى هذه الهاوية، وهي دائرة لا تكاد تنتهي، وبخاصة بعد تعذر السداد، إما بسبب
إعسار المدين، أو المماطلة وادعاء الفقر.
هذا في نوع واحد من أنواع التعامل بالدين - وهو بيع التقسيط -، فإذا نظرت إلى البنوك وما تعطيه من قروض، وإلى معاملات الشركات، والمؤسسات، هالك المشهد، ورأيت الصورة قاتمة، حتى كثرت الخلافات والقضايا المطروحة أمام القضاء بسبب الديون، وحتى أصبح الإنسان المسلم الآن لا هم له، ولا شاغل إلا كيفية سداد ما عليه من ديون، والخروج من التبعات التي فرضت عليه حينا، وسعى إليها أحيانا أخرى، وكأنني أرى الأمر مدبراً للعالم الإسلامي حتى يظل أهله في هذه الدائرة التي لا تنتهي.


الصفحة التالية
Icon