والذي يظهر في هذه الجملة من الأساليب هو أسلوب تعريف الشهود بالوصف ؛ حيث قيل :" فرجل وامرأتان ممن ترضون "، وهذا التعريف يشير إلى أن كل واحد منهم مُختَبر في مثل هذه المواقف ؛ حيث ثبت عدلُه، وصدقهُ، وهذا يقارب معنى " شهيدين من رجالكم ".
لكن قوله :" شهيدين " فيه من الشهرة ما لا يوجد في " فرجل وامرأتان " ؛ إذ الأصل في المرأة عدم الشهرة، وإن كان لا يمنع تجربة الشهادة عليها ؛ ولذلك زيد بعد الوصف قوله :" من الشهداء "، ولم يقل - من المسلمين، أو من الناس -.
فهذا يعني أن الرضا هنا رضا شهادة سابقه، كما أن تمام الوصف قوله من الشهداء ـوقيل اللفظ المذكر إما تغليباً كما هي عادة العربية، أو إشارة إلي أن الأصل في الشهود أن يكونوا رجالاً.
ويلحظ هنا أن الكلام جاء بالأسلوب الصريح المكشوف الخالي من الصور البلاغية، أو اللون البديعي ؛ وذلك لأن السياق يحتاج إلي هذا الوضوح والصراحة في هذه المعاملة ؛ فالأخذ والعطاء والكتابة والشهادة كلها أمور تحتاج إلي هذه الشفافية.
لكن الزمخشري عدّ هذا اللفظ من قبيل المجاز المرسل ؛حيث قال :" وقيل لهم : شهداء قبل التحمل تنزيلاً لما يشارف منزلة الكائن"(١١٣)
يعني: أن العلاقة هنا اعتبار ما سيكون، كما في قوله تعالى :" إني أراني أعصر خمراً ".
فلما كانوا قبل الشهادة ليسوا شهوداً أطلق اللفظ عليهم، باعتبار أنهم سيكونون شهودا ً.
وهذا وإن كان مقبولاً شكلاً إلا أنه لا يتناغم مع السياق الرامي إلى البحث عن رجل وامرأتين، ذات صفات مخصوصة.
منها : قبولهما عند كلٍّ من الدائن، والمدين.
ومنها : تجريب الشهادة عليهما من قبل.
وكل من الأمرين متعلق بالآخر كما لا يخفى.
******
أثر القراءات في تصوير المعنى في جملة :
" أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى "


الصفحة التالية
Icon