وكل ذلك يصب في نهر واحد، وهو بيان الحكمة من وضع المرأتين موضع الرجل الواحد ؛ إذ أن الغالب على عقول النساء الانشغال بأمور المنزل، والأولاد، والقيام بأمر التربية ؛ فصلتها بالحياة العامة ضعيفة بالنسبة للرجل، لذلك كانت في حاجة إلى تذكير....
وصياغة الجملة كان من الممكن أن يقال فيها : لتذكر إحداهما الأخرى إن ضلت... لكن قدم الضلال إيماءً إلى شدة الاهتمام بشأن الإنكار عليه.
ولما كان " أن تضل " في معنى " لضلال إحداهما " صارت العلة في الظاهر هي الضلال، وليس كذلك، بل العلة هي ما يترتب على الضلال من إضاعة المشهود به، فتفرع عليه :" فتذكر إحداهما الأخرى " لأن - فتذكر - معطوف على - تضل - بفاء التعقيب، فهو من تكملته، والعبرة بآخر الكلام...
ومن شأن العرب في لغتهم إذا ذكروا علة، وكان للعلة علة قدَّموا ذكر علة العلة، وجعلوا العلة معطوفة عليها بالفاء ؛ لتحصل الدلالتان معاً بعبارة واحدة... " ( ١١٨ )
ولا شك أن هناك " ظروفاً معينة قد لا تجعل وجود شاهدين أمراً ميسوراً، فهنا يسَّر التشريع، فيستدعي النساء للشهادة، وهو إنما دعا الرجال ؛ لأنهم هم الذين يزاولون الأعمال عادة في المجتمع المسلم السويّ الذي لا تحتاج المرأة فيه أن تعمل لتعيش، فتجور بذلك على أمومتها، وأنوثتها، وواجبها في رعاية أثمن الأرصدة الإنسانية، وهي الطفولة الناشئة الممثلة لجيل المستقبل، في مقابل لقيمات أو دريهمات تنالها من العمل، كما تضطر إلى ذلك المرأة في المجتمع النكد، المنحرف الذي نعيش فيه اليوم.
فإذا لم يوجد رجلان، فليكن رجل واحد وامرأتان.
ولكن لماذا امرأتان ؟
إن النص لا يدعنا نحدس، ففي مجال التشريع يكون كل شيء محدداً، وواضحاً ومعللاً فيقول
" أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى "، والضلال هنا ينشأ من أسباب كثيرة..