وجعل بعضهم نزول الحديد بمعنى الخلق لأنه أخرجه من المعادن وعلمهم صنعته فإن الحديد إنما يخلق في المعادن والمعادن إنما تكون في الجبال فالحديد ينزله الله من معادنه التي في الجبال لينتفع به بنو آدم وقال تعالى :﴿ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ﴾. وهذا مما أشكل أيضا.
فمنهم من قال : جعل ومنهم من قال : خلق لكونها تخلق من الماء فإن به يكون النبات الذي ينزل أصله من السماء وهو الماء وقال قطرب : جعلناه نزلا. ولا حاجة إلى إخراج اللفظ عن معناه المعروف لغة ؛ فإن الأنعام تنزل من بطون أمهاتها ومن أصلاب آبائها تأتي بطون أمهاتها ويقال للرجل : قد أنزل الماء وإذا أنزل وجب عليه الغسل مع أن الرجل غالب إنزاله وهو على جنب إما وقت الجماع وإما بالاحتلام فكيف بالأنعام التي غالب إنزالها مع قيامها على رجليها وارتفاعها على ظهور الإناث ومما يبين هذا أنه لم يستعمل النزول فيما خلق من السفليات فلم يقل أنزل النبات ولا أنزل المرعى وإنما استعمل فيما يخلق في محل عال وأنزله الله من ذلك المحل كالحديد والأنعام.
وقال تعالى ﴿ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ﴾ الآية وفيها قراءتان إحداهما بالنصب فيكون لباس التقوى أيضا منزلا.
وإما على قراءة الرفع فلا وكلاهما حق وقد قيل فيه خلقناه وقيل أنزلنا أسبابه وقيل ألهمناهم كيفية صنعته وهذه الأقوال ضعيفة ؛ فإن النبات الذي ذكروا لم يجئ فيه لفظ أنزلنا ولم يستعمل في كل ما يصنع أنزلنا فلم يقل : أنزلنا الدور وأنزلنا الطبخ ونحو ذلك وهو لم يقل إنا أنزلنا كل لباس ورياش وقد قيل : إن الريش والرياش المراد به اللباس الفاخر كلاهما بمعنى واحد مثل اللبس واللباس وقد قيل : هما المال والخصب والمعاش وارتاش فلان حسنت حالته.