ثم في أثناء السورة ذكر لهم المساكن والمنافع التي يسكنونها : مساكن الحاضرة والبادية ومساكن المسافرين فقال تعالى :﴿ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ﴾ الآية ثم ذكر إنعامه بالظلال التي تقيهم الحر والبأس فقال :﴿ والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا ﴾ إلى قوله :﴿ كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ﴾. ولم يذكر هنا ما يقي من البرد لأنه قد ذكره في أول السورة وذلك في أصول النعم ؛ لأن البرد يقتل فلا يقدر أحد أن يعيش في البلاد الباردة بلا دفء بخلاف الحر فإنه أذى لكنه لا يقتل كما يقتل البرد فإن الحر قد يتقى بالظلال واللباس وغيرهما وأهله أيضا لا يحتاجون إلى وقاية كما يحتاج إليه البرد ؛ بل أدنى وقاية تكفيهم وهم في الليل وطرفي النهار لا يتأذون به تأذيا كثيرا ؛ بل لا يحتاجون إليه أحيانا حاجة قوية فجمع بينهما في قوله ﴿ سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم ﴾.
ولا حذف في اللفظ ولا قصور في المعنى كما يظنه من لم يحسن حقائق معاني القرآن ؛ بل لفظه أتم لفظ ومعناه أكمل المعاني ؛ فإذا كان اللباس والرياش ينزل من ظهور الأنعام وكسوة الأنعام منزلة من الأصلاب والبطون كما تقدم فهو منزل من الجهتين فإنه على ظهور الأنعام لا ينتفع به بنو آدم حتى ينزل. فقد تبين أنه ليس في القرآن ولا في السنة لفظ نزول إلا وفيه معنى النزول المعروف وهذا هو اللائق بالقرآن فإنه نزل بلغة العرب ولا تعرف العرب نزولا إلا بهذا المعنى ولو أريد غير هذا المعنى لكان خطابا بغير لغتها ثم هو استعمال اللفظ المعروف له معنى في معنى آخر بلا بيان وهذا لا يجوز بما ذكرنا ؛ وبهذا يحصل مقصود القرآن واللغة الذي أخبر الله تعالى أنه بينه وجعله هدى للناس وليكن هذا آخره والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
مكتبة مشكاة الإسلامية
نقلاً عن موقع الإسلام
؟؟
؟؟
؟؟
؟؟
١٠