الفصل الثاني : أسباب الطعن في القرآن
وفيه أربعة مباحث هي :
المبحث الأول : لماذا هذه الحرب على القرآن؟
المبحث الثاني : ما الحكمة من وجود المتشابه في القرآن؟
المبحث الثالث : أنواع المطاعن.
المبحث الرابع : أسباب الاختلاف في القرآن.
المبحث الأول : لماذا هذه الحرب على القرآن؟
عرف أعداء الله أهمية كتاب الله تعالى في نفوس المسلمين، ومدى تعلقهم به، وعلموا أنه هو باعث نهضتهم، ومحيي همتهم، وموحد كلمتهم، وسبب نجاتهم وقوتهم.
يقول الحاخام الأكبر لإسرائيل سابقا مردخاي الياهو، مخاطبا مجموعة على وشك الالتحاق بالجيش الإسرائيلي :(هذا الكتاب الذي يسمونه القرآن هو عدونا الأكبر والأوحد، هذا العدو لا تستطيع وسائلنا العسكرية مواجهته، كيف يمكن تحقيق السلام في وقت يقدس العرب والمسلمون فيه كتابا يتحدث عنا بكل هذه السلبية ؟! على حكام العرب أن يختاروا ؛ إما القرآن أو السلام معنا)(٧٩).
وفي بدايات هذا القرن كان الجنود الإيطاليون يتغنون بأنشودتهم :(أنا ذاهب إلى ليبيا فرحا مسرورا، لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة ومحو القرآن، وإذا مت يا أماه فلا تبكيني، وإذا سألك أحد عن عدم حدادك فقولي : لقد مات وهو يحارب الإسلام )(٨٠).
ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر :(إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون العربية)(٨١).
ويقول وليم جيفورد :(متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيدا عن محمد وكتابه)(٨٢).
ويقول اللورد كرومر في مصر :(جئت لأمحو ثلاثا : القرآن والكعبة والأزهر)(٨٣).
يقول جون تاكلي :(يجب أن نستخدم القرآن -وهو أمضى سلاح-ضد الإسلام نفسه، بأن نعلم هؤلاء الناس-يعني المسلمين- أن الصحيح في القرآن ليس جديدا، وأن الجديد ليس صحيحا)(٨٤).
ويقول غلادستون -وزير المستعمرات البريطاني سنة ١٨٩٥، ثم رئيس الوزراء - :( لن تحقق بريطانيا شيئا من غاياتها في العرب، إلا إذا سلبتهم سلطان هذا الكتاب، أخرجوا سر هذا الكتاب -القرآن- مما بينهم تتحطم أمامكم جميع السدود)(٨٥).
وقال أيضا :( ما دام هذا القران موجودا في أيدي المسلمين، فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا تكون هي نفسها في أمان )(٨٦).
إذن هم يعرفون أن القرآن مصدر قوة المسلمين ؛ لذلك أعلنوا الحرب على كتاب الله، وهذه الحرب قديمة قدم نزول القرآن، كما قال تعالى :(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ( [فصلت : ٢٦] ؛ يعني أن الغلبة لهم على المسلمين إنما تكون باللغو والطعن في القرآن.
ومن أهداف الطعن في كتاب الله :
١- حرب المسلمين ؛ لأن الكفار رأوا أن أهل الإسلام لا يمكن قهرهم بالسنان والحروب العسكرية ؛ لأنهم قوم يحبون الموت كما هم يحبون الحياة، وإنما كان هذا الحب للشهادة في نفوس المسلمين، لما في كتاب الله من الثناء والحث على الشهادة في سبيله، لذلك توجهوا بالحرب إلى القرآن حتى ينتزعوا القدسية عن القرآن، ويثبتوا أنه ليس من عند الله تعالى، بل من عند محمد ( ﷺ )، ومن ثَم يتم إبعاد المسلمين عن مصدر توحيدهم وسر قوتهم.
٢- فتح باب النزاع والشقاق بين المسلمين على مصراعيه، يقول تعالى :(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ( [البقرة : ١٧٦].
٣- زرع الفتن بين المسلمين كما قال تعالى :(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ…( [آل عمران : ٧].
٤- هدم الإسلام : فقد روي عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْر، قَالَ : قَالَ لِي عُمَرُ : هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟ قَالَ : قُلْتُ لَا. قَالَ : يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ، وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ)(٨٧).
وبهذا يتحقق لهم ما يريدون، ويصبح المسلمون صيدا سهلا، بل قد يصبح المسلمون في صف الكفار وأتباع ملتهم (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ…( [البقرة : ١٢٠].
وللأسف فقد تحقق لهم الكثير من هذا، فقد عُزل الكتاب عن التحكيم بين الناس، واستبدل بقانون الغرب، وصدق رسول الله ( ﷺ ) كما جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ( ﷺ ) يقول :« خذوا العطاء ما دام العطاء لله، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه، يمنعكم الفقر والحاجة، ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم مالا يقضون لكم، فإذا عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم، قالوا : يا رسول الله كيف نصنع؟ قال : كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب، موتُُ في طاعة الله خير من حياة في معصية الله » (٨٨).
--------------------------------------------------------------------------------
(٧٩) انظر : مجلة البيان، العدد : ١٥٩، بتاريخ ذو القعدة ١٤٢١هـ، وجريدة البلاد (السعودية) : ٣٠ رجب ١٤٢١هـ.
(٨٠) انظر : صلاح الأمة في علو الهمة لسيد عفاني (٦/٥٧٥) نقلا عن التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية للدكتور أحمد شلبي.
(٨١) قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله، لجلال العالم، ص : ٣١.
(٨٢) المرجع السابق ص : ٤٩.
(٨٣) الخنجر المسموم الذي طعن به المسلمون، أنور الجندي : ص ٢٩، دار الاعتصام، سلسلة دائرة الضوء.
(٨٤) انظر : مجلة مجمع الفقه الإسلامي (ص : ٣٢٩)، الدورة السابعة، العدد ٧، الجزء الرابع لعام ١٩٩٢، و رد افتراءات المبشرين على القرآن الكريم، لجمعة (ص : ٢٦٣)، و واجب المسلمين في نشر الإسلام للأستاذ زيد الفياض (ص : ١٩).
(٨٥) القراءة المعاصرة للقرآن في الميزان، أحمد عمران، (ص : ١٧)، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، ١٩٩٥.
(٨٦) منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير، للدكتور فهد الرومي ( ص : ٤٤٢ ) مكتب الرشد، الرياض، الطبعة الخامسة، ١٤١٢، هجمة علمانية جديدة ومحاكمة النص القرآنى، د. كامل سعفان ( ص : ٩٧ ).
(٨٧) أخرجه الدارمي (المقدمة باب : في كراهية أخذ الرأي، رقم : ٢١٤).
(٨٨) أخرجه الطبراني في الصغير (٢/٤٢) والكبير (٢٠/٩٠) وفي مسند الشاميين(١/٣٧٩)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٥/٢٢٨) :(رواه الطبراني ويزيد بن مرثد لم يسمع من معاذ، والوضين بن عطاء وثقه ابن حبان وغيره، وبقية رجاله ثقات. ).


الصفحة التالية
Icon