الخاتمة
لقد ظهر لي بعض النتائج والتوصيات بعد هذه الدراسة، وهي كالتالي :
١-أحسب أني أتيت بشيء جديد في هذه الرسالة، لا سيما في بعض المباحث، كأدلة صدق النبي ( ﷺ )، والردود الإجمالية على كل طعن، وبعض الردود التفصيلية، وغير ذلك.
٢-أغلب الطعونات تَكَفَّل القرآن بالرد عليها إجمالا.
٣-الكثير من الطعون أجاب عنها النبي ( ﷺ ) تفصيلا.
٤-الطاعنون يرددون الطعونات ويتناقلونها، ويتواصون بها، ويأخذها الرجل، عن الآخر ثم يعيد صياغتها مرة أخرى، معرضين عن أجوبة العلماء عليها، وضاربين بعرض الحائط تفنيد العلماء لها، وهذه علامة أهل الأهواء، وصدق الله إذ يقول :( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك.. ([فصلت : ٤٣].
٥-يلاحظ أن هناك تقسيم للأدوار في الطعون، فيبدأ الأول بطعن، ثم الثاني بطعن آخر في زمان يليه وهكذا، وكل واحد منهم يبارك للآخر ويدافع عنه.
٦-شؤم البدع والفرق الضالة على الإسلام، حيث فتحوا الباب للطاعنين، فتجدهم يستدلون بكلام الرافضة في إثبات تحريف القرآن، ويستدلون بكلام الصوفية بأن القرآن ليس واجب الاتباع ؛ لأن له معاني أخرى غير المعان الظاهرة يسمونها العلم الباطن، ويستدلون بكلام المعتزلة في تقديم العقل على النقل.
٧-الطاعنون العلمانيون، لم يكن طعنهم في القرآن مباشرا، وأما المستشرقون فقد كانوا يطعنون طعنا مباشرا في القرآن ؛ لأنهم يعلمون خطورته في إذكاء روح التحدي في الأمة، وأما تلاميذهم من العلمانيين فقد كانوا أكثر ذكاء في الطعن، فهم يعلمون مكانة القرآن في نفوس المسلمين، ومدى إتقانه وإحكامه، فالطعن فيه مزلة مدحضة مسقطة للسمعة من أول الأمر، لذلك فقد كانت طعونهم تحوم حول الحمى.
٨- لقد اتضح أن أكثر المستشرقين ليس فيهم من الاعتدال شيء ولا من الإنصاف، بل هم يغرون المسلمين بكثير من الكلام الجميل عن الإسلام ؛ وذلك ليوصفوا بالاعتدال والإنصاف، فإذا فُتحتْ لهم الأبواب، وأصغت لهم الآذان، وذاب الحجاب، جاءت الطعون من كل حدب وصوب، كما هو الحال في جولدتزيهر وبلاشير وغيرهم(٨٥٣).
٩-من أسخف الطعون الإستشراقية الطعون اللغوية، فهؤلاء المستشرقون الذين ظهروا بعد نزول القرآن بأكثر من ألف سنة، يريدون أن يخبرونا أن القرآن فيه أخطاء لغوية أو نحوية، مع أنه عرض على فصحاء العرب وعلماء اللغة والنحاة واللغويين، ولم ينقم عليه أحد شيئا في لغته، فإذا بهؤلاء بعد هذه الأزمنة المتطاولة، والإجماع القطعي يخرجون لنا بهذه البائقة، التي أضحكت عليهم المجانين، فلا ينبغي التشاغل بالرد عليهم في هذا الباب، ولا إضاعة الأوقات على قوم يريدون أن يعلمونا لغتنا وهم لا يفقهون منها شيئا، وأغلب طعونهم هي عبارة عن ألفاظ مشتركة، أو ألفاظ عامة، أو غير ذلك من أنواع طرائق الكلام، وإنه ليصح لنا أن نتمثل بقول الشاعر :
إِذَا وَصَفَ الطَّائِيَ بِالُبُخْلِ مَادِرُ(٨٥٤) وعَيَّر قَسًا(٨٥٥) بالفَهَاهَةِ باقِلُ(٨٥٦)
وقال السُّهَى(٨٥٧)للشَّمْسِ أًنْتِ خَفِيَّةٌ وقال الدُّجَى للصُّبْحِ لَونْكَ حَائِلُ
فيَا مَوْتُ زُرْ إنَّ الحياةَ ذَمِيمَةٌ ويا نَفْسُ جِدَّي إنَّ دَهْرَكِ هَازِلُ(٨٥٨)
١٠-لا يألو أعداء الله جهداً في الطعن في هذا الدين، واستخدام كل الطرق لتنفير الناس منه، ولو كان في غايةٍ من الخسة والدناءة، كما فعل لبيد بن الأعصم عندما سحر النبي ( ﷺ ).
١١-من المفارقات العجيبة أن يكون هؤلاء المتطفلون على ديننا، الطاعنون في كتاب ربنا، مرجعا لكثير من الكُتّاب الإسلاميين، وكأن الأمة الإسلامية عقمت أن تأتي بأمثال هؤلاء.
١٢- يجب التنبه والحذر من الأشخاص الذين يثني عليهم الطاعنون، فإنهم لا يفعلون ذلك إلا لمعرفتهم بقرب طريقتهم من طريقتهم، وليروجوا أسماءهم على البسطاء فيستمعوا لهم ويأخذوا عنهم.
١٣-لو جُمعت كل طعون المعاصرين على القرآن، لأنتج هذا أعظم أنواع الكفر بالدين، فلو أخذنا بقول إنه مأخوذ من اليهود والنصارى، وإنه زيد فيه ونقص، وإنه يجوز نقده، وإنه لا يجب العمل به، وإنه متناقض، وإن كل القصص التي فيه عبارة عن أساطير مكذوبة، لأدى هذا إلى نقض الدين كله من أصله ؛ لأن الدين قائم على القرآن، والقرآن عبارة عن أخبار وأحكام، كما قال سبحانه :( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ( أي صدقا في الأخبار وعدلا في الأحكام، فإذا كانت الأخبار مكذوبة والأحكام غير لازمة، فما فائدة نزول القرآن إذن؟!.
١٤-من الطعون الجديدة في هذا العصر تعارض القرآن مع العلوم التجريبية الحديثة، فلم يُتعرض لها إلا في هذا الزمن، بعد الاكتشافات العصرية الجديدة.
١٥-التوصية بكتابة مؤلَّف في طبقات المفسرين من القرن العاشر -حيث وقف الداودي- إلى عصر. الحاضر ؛ لأنه لم يؤلف في هذا المجال أحد، مع شدة الحاجة لمعرفة ما كتب في هذه العصور المتطاولة، ومعرفة تراجم مؤلفيها.
١٦-التوصية بتحقيق كتاب الرازي في التفسير "مفاتيح الغيب"، والرد على جميع ما يورده من الطعون، لأنه يورد الطعون بقوة ويجيب عليها -في الغالب- بضعف(٨٥٩)، أو كما قيل : يورد الطعن بنقد ويجيب بنسيئة، ثم يطبع كتاب " مفاتيح الغيب" طبعة جديدة مع وضع جميع هذه الردود في الحاشية عند كل تطعن، كما هو الحال في تفسير الزمخشري (الكشاف) حيث طبع مع رد ابن المنير الإسكندراني.
١٧-يقول الرافعي : خذ من زاعمي التحرر : الكذب في فلسفة المنفعة، والتسفل في شعاعة الغريزة، والوقاحة في زعم الحرية، والخطأ في علة الرأي، والإلحاد في حجة العلم(٨٦٠).
١٨-وأخيرا نقول لمن حاول الطعن في كتاب الله، أو في رسول الله ( ﷺ )، أو في شيء من دين الله : اعلم أنك بفعلك هذا قد جنيت على نفسك، وأوديت بها إلى مهاوي الردى، واعلم أن "هذا الدين متين"(٨٦١) "وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ "(٨٦٢)، فأشفق على نفسك
يا ناطِحَ الجَبَلِ الأَشَم بِرأْسِهِ أشفق عَلَى الرأس لاَ تُشْفِقْ عَلَى الجَبَلِ
وإنما مثل هؤلاء الطاعنين كوَعْلٍ غَرَّه قَرْنَاه، فرَأَى ذاتَ يومٍ صَخْرةً ضخمةً راسيةً شامخةً، فأراد أن يريها قوةَ قرنيه فنطحها بكل ما عنده من قوة، فتحطم قرناه وتفتتا، وأما الصخرة فما أحست من ذلك بشيء، قال الشاعر :
كناطِحٍ صَخْرةٍ يوماً ليُوهنُها فلَمْ يُضِرْها وأَوْهَى رَأْسَه الوَعْلُ
فالإسلام كالبحر الخضم، لا يضره من ألقى فيه بحجارة محاولا إيذاءه
ومَا يَضُرُ البَحْرَ أمْسَى راسياً إذا رَمَى إِليه صَبِي بحَجَرْ
وهكذا الدين دائما يخرج منتصرا، جعلنا الله - تعالى- من أنصاره، وحسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين (، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
--------------------------------------------------------------------------------
(٨٥٣) وقد قرر هذه القضية أستاذنا الدكتور محمد إبراهيم شريف تقريرا شافيا في كتابه (اتجاهات التجديد في تفسير القرآن الكريم في مصر ) ص : ٧٣٠.
(٨٥٤) مارد : هو رجل من بني هلال بن عامر بن صعصعة، اسمه مخارق، بلغ من بخله أن سقى إبله، فبقى في أسفل الحوض ماء قليل، فسلح فيه ومدر الحوض به، فسمى مادراُ وصار مضرب المثل عند العرب، فيقال : أبخل من مارد، انظر : مجمع الأمثال، للنيسابوري، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت ( ١/١١١ ).
(٨٥٥) هو قس بن ساعدة بن حذاقة بن زهير بن إياد بن نزار الإيادي، كان من حكماء العرب وأعقل من سمع به منهم، وهو أول من كتب من فلان إلى فلان، وأول من أقر بالبعث من غير علم وأول من قال : أما بعد، وأول من قال : البينة على من ادعى واليمين على من أنكر. وقد عمر مائة وثمانين سنة، قال الأعشى : وأبلغ من قس. انظر : مجمع الأمثال، للنيسابوري، (١/١١١)
(٨٥٦) باقل : هو رجل من إياد قال أبو عبيدة : باقل رجل من ربيعة بلغ من عيه أنه اشتري ظبياً بأحد عشر درهماً فمر بقوم، فقالوا له : بكم اشتريت الظبي فمد يديه، ودلع لسانه يريد أحد عشر، فشرد الظبي، وكان تحت إبطه، وهو مضرب المثل في العي، فيقال : أعيا من باقل، انظر : مجمع الأمثال (١/١١١).
(٨٥٧) السُّهى : هو كوكب صغير خفي في نجوم بنات نعش. انظر : المستقصي في كلام العرب، للزمخشري (١/١٤٧)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، ١٩٨٧م.
(٨٥٨) ومعني الأبيات أنه إذا اختلت معايير الحكم على الأشياء ؛ كأن عيَّر مادر - وهو مضرب المثل في البخل - حاتماً الطائي - وهو مضرب المثل في الكرم - بالبخل، وعيَّر باقلُ - وهو مضرب المثل في العي - قس بن ساعدة الإيادي - وهو مضرب المثل في الفصاحة - بالفهاهة، ورمى السُّهى الخفي الشمس بالخفاء، فإن الموت يصبح أحب إلي النفس من الحياة، فقد صارت ذميمة بغيضة، ويجب على النفس آنذاك أن تقابل هذا الهزل بالجد والعزم.
(٨٥٩) اننظر المدخل إلى علم التفسير، أ. د. بلتاجي (ص : ٢٢٢).
(٨٦٠) إعجاز القرآن لمحمد صادق الرافعي (ص : ١٠).
(٨٦١) أخرجه الإمام أحمد في المسند عن أنس ( ٢٧٣١٨) حسنه الألباني في السلسة الضعيفة (٥/٥٠١)رقم : ٢٤٨٠.
(٨٦٢) أخرجه البخاري عن أبي هريرة (كتاب الإيمان، باب الدين يسر، رقم : ٣٩).