وقد عاب بعضهم هذه القراءة وقالوا: هى لحن ظاهر( ) ووجهتهم أن نائب الفاعل فيها جاء منصوباً وحقه الرفع. وهؤلاء ظنوا أن (قوماً) هو نائب الفاعل، والواقع أنه محذوف وفى تقديره وجهان:
الأول: ليجزى الخير والشر قوما، ورجحه العكبرى( ) والبيضاوى( )
الثانى: أن يكون القائم مقام الفاعل هو المصدر، والتقدير: ليجزى الجزاء قوما.
والجزاء هنا هو ما يجزى به، وهو فى الأصل مفعول ثان ليجزى، قال زاده: المفعول الثانى للأفعال التى تتعدى إلى اثنين يجوز إقامته مقام الفاعل فنقول: أعطى درهمُ زيداً، وجزى تتعدى إلى اثنين تقول جزيت فلاناً الخير، فإذا بنيته للمفعول أقمت أيها شئت مقام الفاعل.( )
وحاصل الرد على من يخطئون قراءة (نجى المؤمنين) وقراءة (ليجزى قوما) أن القراءتين متواترتان، فلا يصح القدح فيها، ولئن ادعى البصريون - إلا الأخفش - أنهما تخالفان قاعدة نحوية تقول بتعيين إقامة المفعول مقام الفاعل إذا وجد بعد الفعل المبنى لما لم يُسمَّ فاعله، أو تقديمه على سواه من مصدر أو ظرف أو جار ومجرور، فإننا نقول لهم:
كان الواجب عليكم أيها البصريون أن تصححوا قاعدتكم لتمضى مع هذا القرآن المتواتر، وأن تمضوا مع الكوفيين فى هذا الشأن الذين مضوا مع ما قعده القرآن ولم يخالفوه ولم يجترؤا على ما اجترأتم عليه، وقالوا: إذا وجد بعد الفعل الذى لم يسم فاعله مفعول وغيره جاز أن يقوم مقام الفاعل غير المفعول من مصدر أو غيره، واستدلوا بهذه القراءة (ليجزى قوما).
وجاء فى الشعر العربى ما يؤيد ذلك كقول القائل:
لم يُعن بالعلياء إلا سيداً
ولا شفى ذا الغى إلا ذو هدى
حيث ناب الجار والمجرور، وهو قوله بالعلياء عن الفاعل مع وجود المفعول وهو: سيداً.
ومثله قول القائل:
وإنما يرضى المنيب ربه
ما دام معنياً بذكر قَلْبَه