وإذا كان (الصابئون ) النية به التأخير، فلابد من حكمة تعلل تقديمه فى الذكر، والعلة هنا التنبيه إلى أن الصابئين أشد إيغالاً فى الضلالة، وعمقاً فى الغواية، حيث لا عقيدة لهم ثابتة كالذين آمنوا وكأهل الكتاب، ولكنهم - كما يذكر ابن القيم - يتخيرون من سائر ديانات العالم بعض شعائرها، ويتركون البعض ولم يقيدوا أنفسهم بجملة دين معين وتفصيله.( )
وهذا الوجه أقوى الوجوه، وأرجح ما تحمل عليه الآية الشريفة.
٢- وقيل: إن الواو عاطفة والصابئون معطوف على موضع اسم (إن) لأنه قبل دخول (إن) كان فى موضع رفع وهذا مذهب الكسائى والفراء.
٣- وروى عن الكسائى أيضاً أنه مرفوع عطفاً على الضمير المرفوع فى قوله (هادوا).
٤- وقيل: (إن) هنا بمعنى نعم، أى حرف جواب وما بعده مرفوع بالابتداء، وعليه فالصابئون معطوف على ما قبله.( ) والأرجح الأول كما سبق القول بذلك.
وبعد، فهذه هى الآيات الثلاث التى وردت فى رواية عائشة - رضى الله عنه -، وقد بان توجيهها وظهر لنا أن لها أكثر من وجه فى العربية، فكيف يدعى بعد ذلك أن فيها أخطاء نحوية؟ وأختم هذا المبحث بكلام نفيس لابن الحاجب حول اجتراء النحاة على بعض القراءات وادعاء أن الصورة التى جاءت عليها غير جائزة من جهة العربية.
قال ابن الحاجب: والأولى الرد على النحويين فى منع الجواز، فليس قولهم بحجة إلا عند الإجماع، ومن القراء جماعة من أكابر النحويين، فلا يكون إجماع النحويين حجة مع مخالفة القراء لهم، ثم ولو قدر أن القراء ليس فيهم نحوى، فإنهم ناقلون لهذه اللغة وهم مشاركون للنحويين فى نقل اللغة، فلا يكون إجماع النحويين حجة دونهم، وإذا ثبت ذلك كان المصير إلى قول القراء أولى ؛ لأنهم ناقلوها عمن ثبتت عصمته من الغلط فى مثله ؛ ولأن القراءة ثبتت متواترة، وما نقله النحويون آحاد، ثم لو سلم أنه ليس بمتواتر، فالقراء أعدل وأكثر فكان الرجوع إليهم أولى. ا. هـ والله أعلم.( )