إن القراءات سمعية نقلية عن رسول الله - ﷺ - وليست اجتهادية، وقد اتفق العلماء واعتقد أهل الحق أن القراءات السبع - ومنها قراءة ابن عامر - متواترة عن رسول الله - ﷺ - إجمالاً وتفصيلاً. بل قال صاحب المناهل: إن الرأى المحقق هو أن القراءات العشر متواترة، وليس السبع فقط.( ) إذا ثبت ذلك فلا اعتبار لما قاله الزمخشرى أو غيره فى تضعيف قراءة ابن عامر وردها.
ولقد شدد ابن المنير - فى الانتصاف - النكير على الزمخشرى فقال: إن المنكر على ابن عامر إنما أنكر عليه ما ثبت أنه براء منه قطعاً وضرورة ؛ لأن هذه القراءة مما علم ضرورة أن النبى - ﷺ - قرأ بها، ولولا عذر أن المنكر ليس من أهل الشأنين، أعنى علم القراءة وعلم الأصول، ولا يعد من ذوى الفنين المذكورين، لخيف عليه الخروج من ربقة الدين، وإنه على هذا العذر لفى عهدة خطرة، وزلة منكرة.( )
وقال أبو حيان فى رده عليه: وأعجب لعجمى ضعيف فى النحو يرد على عربى صريح محض قراءة متواترة، وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقاً وغرباً.( )
ومع ذلك فإذا نزلنا مع الزمخشرى ومن تابعه فى رد هذه القراءة، إذا نزلنا معهم إلى القياس النحوى، فإننا نرى أن القراءة ماضية مع القواعد النحوية، فلقد قال الكوفيون: يجوز الفصل بين المتضايفين فى النثر وفى الشعر إذا كان المضاف مصدراً، والمضاف إليه فاعله، والفاصل بينهما مفعوله كقراءة ابن عامر التى نحن بصددها، ومنه قول القائل:
عتوا إذ أجبناهم إلى السلم رأفة
فسقناهم سوق البغاث الأجادل
فسوق، مصدر مضاف، والأجادل مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله، والبغاث مفعوله، وفصل به بين المضاف والمضاف إليه، والأصل سوق الأجادل البغاث.( )