وهذا ينقلنا بدوره إلى الحديث عن المفاجآت في القصة القرآنية التي تتميز بتنوع الأساليب التي كانت تقدم من خلالها، فقد يكتم القرآن سر المفاجأة حتى تتكشف في نهاية القصة، وفي هذا تشويق للقارئ حتى يتم القصة ويعرف نهايتها كما في قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح. بينما في قصة ملكة سبأ كان السر معروفاً للقارئ في كيفية مجيء العرش إلى سليمان عليه السلام بينما هي لم تكن تعرف، والدليل على ذلك قولها عندما رأته (كأنه هو): لأنها لمست تشابهاً كبيراً بينه وبين قصرها، فسرد هذه الأحداث بهذه الطريقة فيه إثارة لاهتمام القارئ.
ويمتاز القرآن الكريم بالدقة في اختيار الكلمات التي تحمل دلالات عميقة، وتعبر عن أحداث كثيرة بأقل عدد من الكلمات كما في كلمة (تذودان) الواردة في قوله تعالى: ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم مرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى" يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ٢٣ ﷺ القصص: ٢٣} فهذه الكلمة بينت أن الفتاتين كانتا تحبسان أغنامهما وتمنعانها من الاختلاط بأغنام الآخرين، حتى لا يدعي أحدهم أنها له، وهذا يعني أنهما كانتا تنتظران - لضعفهما - حتى يخف الزحام فتسقيان أغنامهما، وأن أغنامهما كانت تريد الذهاب إلى مورد الماء مع سائر الماشية فكانتا تمنعانها وهذه الكلمة ساهمت في تخيلنا للموقف وما فيه من حركة، والدوافع النفسية التي تدفعهما للتصرف بهذه الطريقة، كل ذلك لخصه القرآن الكريم في كلمة واحدة هي تذودان ولاشك أن هذه الكلمة تكشف عن نفسية هؤلاء القوم الذين كان يسيطر عليهم حب الذات، والحرص على مصالحهم الخاصة بهم دون الالتفات إلى حاجة الآخرين للماء، وعدم مراعاتهم لضعف هاتين الفتاتين وكبر سن والدهما، ولذلك لفت هذا المشهد انتباه موسى عليه السلام وأثار تعجبه، ولما عرف القصة سقى لهما، وهذا يدل على حسن خلقه.


الصفحة التالية
Icon