ونموذج يعقوب : الوالد المحب الملهوف والنبي المطمئن الموصول. يعرض القرآن كل هذه النماذج البشرية عرضًا واقعيًا نظيفًا من غير إفحاش ولا إغراء بفاحشة أو جريمة، كما يفعل مؤلفو القصص التي يسمونها واقعية أو طبيعية، من روادِ جاهلية القرن العشرين، ذلك أن من أهم غايات القصة القرآنية : التربية الخلقية عن طريق علاج النفس البشرية علاجًا واقعيًا.
فالقصة القرآنية ليست غريبة عن الطبيعة البشرية، ولا محلقة في جو ملائكي محض، لأنها إنما جاءت علاجًا لواقع البشر، وعلاج الواقع البشري لا يتم إلا بذكر جانب الضعف والخطأ على طبيعته، ثم بوصف الجانب الآخر الواقعي المتسامي الذي يمثل الرسل المؤمنون، والذي تؤول إليه القصة بعد الصبر والمكابدة والجهاد والمرابطة، أو الذي ينتهي عنده المطاف لعلاج ذلك الضعف والنقص، والتردي البشري في مهاوي الشرك أو حمأة الرذيلة، علاجًا ينهض بالهمم، ويدفع بالنفس للسمو، ما استطاعت، إلى أعلى القمم، حيث تنتهي القصة بانتصار الدعوة الإلهية، ووصف النهاية الخاسرة للمشركين الذي استسلموا إلى الضعف والنقص، ولم يستجيبوا لنداء ربهم فيزكوا أنفسهم.
٣) تربي القصة القرآنية العواطف الربانية وذلك :
أ ) عن طريق إثارة الانفعالات كالخوف والترقب، وكالرضا والارتياح والحب، وكالتقزز والكره، كل ذلك يثار في طيات القصة بما فيه من وصف رائع ووقائع مصطفاة، فقصة يوسف مثلاً تربي الصبر والثقة بالله، والأمل في نصره، بعد إثارة انفعال الخوف على يوسف، ثم الارتياح إلى استلامه منصب الوزارة.
ب ) وعن طريق توجيه جميع هذه الانفعالات حتى تلتقي عند نتيجة واحدة هي النتيجة التي تنتهي إليها القصة، فتواجه مثلاً حماسة قارئ القصة نحو يوسف وأبيه، حتى يلتقيا في شكر الله في آخر القصة، ويوجه بُغْض الشر الذي صدر عن إخوة يوسف حتى يعترفوا بخطئهم ويستغفر لهم أبوهم في آخر القصة، وهكذا...