واحدا، بل جعل البشر يبينون عن أنفسهم، ويتفاهمون مع غيرهم، بأساليب شتى :(ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) [الروم: ٢٢ ] وشاء الله أن يودع وحيه الخاتم لغة العرب، فمن أراد معرفته، والفقه فيه، والقيام بحقه، فليقبل على لغة الوحى، يجود فيها ويأخذ الهدى منها. وربما كان أولى بالله من العرب الذين هجروا الوحى، وأبوا الاصطباغ به... وتاريخنا الثقافى ناطق بأن جماهير ضخمة من الأعاجم مهروا فى علوم الدين كلها، بل كانوا أحنى على البلاغة العربية والأدب العربى من أبناء جزيرة العرب. وقد تبوأ هؤلاء مناصب الإمامة، ومشت وراءهم الشعوب، ولم يطعن فى قيادتهم الأدبية عاقل. وأحب أن أكرر هنا ما قلته آنفا، إننى مصرى من وادى النيل، عربنى الإسلام، ولست أكترث بدم من أى فصيلة، ولا أهتم بعدنان ولا قحطان ولا كنعان، فاهتمامى كله بحقائق الإيمان، ومدارج الإحسان...! بهذا التفكير السهل استقبلت قيام الخلافة العثمانية، بعد أن هوت الخلافة العباسية فى منتصف القرن السابع الهجرى، تاركة وراءها سحتا من الأتربة والأدخنة والذكريات الكئيبة! يرى الكاتب الصليبى " فيليب حتى " فى كتابه " تاريخ العرب " أن الحكم العربى سقط وانتهى بزوال الخلافة العباسية، وهذا كلام يحتاج إلى تعليق، فإن العرب باسم الإسلام حكموا، وبالحضارة التى صنعها الإسلام تقدموا وتصدروا الركب البشرى. ولو أنهم وفوا للشعار الذى رفعوه، وأسلموا لله وجوههم، واصطبغوا ظاهرا وباطنا بتعاليمه، ما نكس لهم لواء، ولا ظهر عليهم عدو إن العرب سرعان ما شابوا تعاليم الإسلام بتقاليد الجاهلية، فخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا.. لماذا يكون لذرية العباس وذرية فاطمة حق دينى يترنح الإسلام وهو يحمله؟ ص _١١٨