هل كل مكذب بالآخرة يحيا سعيدا فى الدنيا؟ مادام يكدح فى جنباتها ويريد الفوز بطيباتها؟ إنه ليس لكفور بالله حق قبله، وليس للعمل العاجل ثمن محدد يدفع لصاحبه! والقاهر فوق عباده لا يتحداه أحد منهم، ولذلك جاء توضيح لهذه القضية فى أيات أخرى: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) [ الإسراء : ١٨ـ١٩] إن الأحياء يتحركون داخل نطاق محكم من المشيئة العليا فى البسط والقبض والسعة والضيق. إن الله لا يمنح كل كافر مراده الذى يشتهيه على ظهر الأرض، قد يمنح هذا ويحرم ذاك، والذى منحه لا ينال كل ما يشتهى، بل ما يأذن الله به من حظوظ الحياة! وهذا التفاوت فى الأرزاق يتصل بطبيعة الاختبار الإلهى للناس، ولا دلالة فيه على الرضا أو السخط (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) [الإسراء : ٢٠] ونحن لا نخشى ظلما يقع من الله، فإنه لا يظلم مثقال ذرة! وإنما نخشى نقصان الفضل الأعلى، وواهب الفضل لا سلطان لأحد عليه، إلا أن يضرع إليه بشر طامعا فى أفضال المليك الجليل، والأمر له وحده، يخفض ويرفع (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللأخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) [الإسراء : ٢١] وبين نتائج العدل ومنازل الفضل، يتفاوت الناس تفاوتا هائلا فى الدنيا والآخرة. ونورد هنا بعض التفاصيل التى ذكرت فى القرآن الكريم والسنة المطهرة عن أحوال! الناس يوم الحساب. إن الناس بعيد البعث يعتريهم ذهول ودهش، ويخيم عليهم صمت يقطعه تساؤل الحيرة بين الحين والحين: (يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا * يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا) [طه : ١٠٢ـ١٠٣] (يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا) [طه: ١٠٨] ص _١٣٤