وكما يحاسب الفرد تحاسب المجتمعات والحضارات والأمم، لتعرف أن تعاونها وتماسكها كان على شر، أو كان على خير؟ (ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون * وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون) [الجاثية : ٢٧ـ٢٨] وتاريخ الإنسان فى هذه الدنيا حافل بالجور، منذ أيام كنت أستمع إلى الاحتفال بمرور مائتى عام على اكتشاف أستراليا، وكان هناك حديث يدور همسا عن السكان الأصليين لهذه القارة، لقد أبيدوا فى صمت، وبأخس الوسائل، وورث الجنس الأبيض الغازى الأرض؛ ليعمرها ويتطاول فوقها، وينسى ما قدمت يداه! وما فعل بأستراليا فعك مثله بأمريكا، فإن سكانها الأصليين طاردتهم الحتوف حتى اختفوا، ودعك من دعاوى أناس يرفعون الصليب ساترين فى ظله غرائز الوحوش!! إن جماهير من الناس قد تخدع بهذه الدعاوى، بيد أن يوم القيامة سوف يفضح المجرمين، فرادى أو جماعات. والله تعالى فى قرآنه الكريم يبين أنه سيقيم العدالة، ويقتص من الظالمين! (رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق * يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار * اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) [غافر : ١ ص ٧] إن الحياة الدنيا ميدان اختبار، وليست موعدا لإعلان النتائج وإقرار العدل! وفى ذلك الامتحان المعقد الثقيل قد يقتل أنبياء ويصاب شهداء، وتنتشر شائعات على أنها حقائق، وتدرس جهالات على أنها علم ولابد من يوم تعود فيه الاستقامة لهذه الموازين المختلة، وتصح فيه الأوضاع السقيمة! لابد من يوم القيامة (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) [الزلزلة : ٦ـ٨] المحزن أن أكثر الناس مصروف عن هذه الحقيقة! أكان إبليس ذكيا عندما تنبأ بأن أولاد آدم سيهتمون بالعاجلة، ويذرون


الصفحة التالية
Icon